أبناء النبي والأئمة وذووهم

أبناء النبي والأئمة وذووهم

(صلوات الله عليهم أجمعين)

آمنة بنت وهب ( سلام الله عليها ) أم النبي (صلى الله عليه وآله):

نسبُها :

تندرج ( آمنة بنت وهب ) من أسرة ( آل زهرة ) ذات الشأن العظيم ، فقد كان أبوها ( وهب بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ) سيد بني زهرة شرفا وحسبا .

ولم يكن نسب آمنة من جهة أمها ، دون ذلك عراقة وأصالة فهي ابنة ( برة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب ) ، فتجمّع في نسب آمنة عِزُّ بني عبد مناف حسب وأصالة .

نشأتُها :

كان منبت السيدة آمنة وصباها في أعز بيئة ، وما لها من مكانة مرموقة من حيث الأصالة والنسب والحسب ، والمجد السامي .

فكانت تعرف ( بزهرة قريش ) فهي بنت بني زهرة نسبا وشرفا ، فكانت محشومة ومخبأة من عيون البشر ، حتى إنَّ الرواة كانوا لا يعرفون ملامحها.

فضلُها :

هذه الشخصية العظيمة والأم الجليلة لطالما نقصت المصادر والراويات عنها ، ويمكن تلمس ملامحها من خلال صورة ابنها العظيم الذي آوته أحشاؤها ، وغذاه دمها ، واتصلت حياته بحياتها ، ألا وهو خاتم النبيين محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

فمن الملوك العرب ، من انتسبوا إلى أمهاتهم : كعمرو بن هند ، وأبوه هو المنذر بن ماء السماء ، وهناك كثير من الشعراء يمدحون كبار الرجال بأمهاتهم .

زواجُها :

جاء ( وهب ) ليخبر ابنته عن طلب عبد المطلب بتزويج آمنة بابنه عبد الله فغمر هذا الخبر المفرح نفسَ آمنة ، وبدأت سيدات آل زهرة تتوافد الواحدة تلو الأخرى لتبارك لآمنة .

أطالت آمنة التفكير في فتاها الذي هرع إليها طالباً يدها ، زاهدا في كل أنثى سواها ، فوافقت على طلبه وتزوجا ، واستغرقت الأفراح ثلاثة أيام ، ولكن عيناها ملأتها الدموع لأنها سوف تفارق البيت الذي ترعرعت فيه ، وأدرك عبد الله بما تشعر به ، وقادها إلى رحبة الدار الواسعة .

وقيل إن المدة لم تتجاوز عشرة أيام ، لأنه يجب عليه أن يلحق بالقافلة التجارية المسافرة إلى غزة والشام .

وفاةُ عبد الله:

ومرت الأيام وآمنة تشعر بلوعة الفراق ، ولهفة والحنين إلى رؤيته ، حتى إنها فضلت العزلة والاستسلام لذكرياتها مع عبد الله بدلا من أن تكون مع أهلها .

ومرت الأيام وشعرت آمنة ببوادر الحمل ، وكان شعورا خفيفا لطيفا ولم تشعر فيه بأية مشقة .

وفي هذه الأيام كانت تراودها شكوك في سبب تأخير عبد الله فكانت تواسي نفسها باختلاقها الحجج والأسباب لتأخيره .

وجاء الخبر المفزع من ( الحارث بن عبد المطلب ) ليخبر الجميع بأن عبد الله قد مات ، أفزع هذا الخبر آمنة ، فانهلّت عيناها بالدموع وبكت بكاءً مُرّاً على زوجها الغائب ، وحزن أهلها حزنا شديدا على فتى قريش عبد الله ، وانهلت بالنواح عليه وبكت مكة على ذلك الشاب الشجاع القوي .

آمنة أم اليتيم :

نُصحت آمنةُ بالصبر على مصابها الجلل ، الذي لم يكن ليصدق عندها حتى إنها كانت ترفض العزاء في زوجها ، ولبثت مكة وأهلها حوالي شهراً أو أكثر وهي تترقب ماذا سوف يحدث بهذه العروس الأرملة التي استسلمت لأحزانها .

وطال بها التفكير بزوجها الغالي عليها ، حتى إنها توصلت للسر العظيم الذي يختفي وراء هذا الجنين اليتيم ، فكانت تعلل السبب فتقول : أن عبد الله لم يفتد من الذبح عبثا ! لقد أمهله الله حتى يودعني هذا الجنين الذي يتقلب في أحشائها .

وجاءها المخاض فكانت وحيدة ليس معها أحد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب ، وخيل لها أن ( مريم ابنة عمران ) ، و ( آسية امرأة فرعون ) ، و ( هاجر أم إسماعيل ) كلهنّ بجنبها ، فأحست بالنور الذي انبثق منها ، ومن ثم وضعت وليدها كما تضع كل أنثى من البشر .

وهنا اكتملت فرحة آمنة فوليدها بجوارها ، ولم تعد تشعر بالوحدة التي كانت تشعر بها من قبل ، وفرح الناس وفرح الجد عبد المطلب بحفيده وشكر الله على هذه النعمة .

وفاتُها :

حان الوقت التي كانت آمنة تترقبه حيث بلغ نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) السادسة من عمره بعد العناية الفائقة له من والدته .

وظهرت عليه بوادر النضج ، فصحبته إلى أخوال أبيه المقيمين في يثرب لمشاهدة قبر فقيدها الغالي ، وعندما وصلت إلى قبر زوجها عكفت هناك ما يقارب شهرا كاملا ، وهي تنوح وتتذكر الأيام الخوالي التي جمعتها مع زوجها .

تعبت آمنة في طريقها بين البلدتين إثر عاصفة حارة وقوية هبت عليهم ، فشعرت آمنة بأن أجلها قد حان فكانت تحس بأنها سوف تموت ، ثم أخذها الموت من بين ذراعي ولدها الصغير وفارقت هذه الدنيا ، وانهلت أعين الطفل بالبكاء بين ذراعي أمه، فهو بعد لا يدرك معنى الموت ، وكان ذلك في سنة ( 576 م ) قبل بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأربع وثلاثين سنة.

أبو طالب ( عليه السلام ) عم النبي ( صلى الله عليه وآله ):

اسمه وولادته :

اسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم ، وكنيته أبو طالب ، ولد قبل مولد النبي (صلى الله عليه وآله ) بخمس وثلاثين سنة ، وكان سيد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة .

زواجه :

تزوج أبو طالب فاطمة بنت أسد ، وهو أول هاشمي يتزوج بهاشمية ، فولدت له أكبر أبناءه من الذكور :

وهو ( طالب ) وبه يكنى ، وعقيل ، وجعفر ، وعلي ، ومن الإناث :

أم هاني واسمها ( فاخته ) ، وجمانة .

وكانت فاطمة بنت أسد بمنزلة الأم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، رَبَى ( صلى الله عليه وآله ) في حجرها ، فكان يناديها أمي ، وكانت تفضـله على أولادها في البِرِّ ، وكان له زوجات أُخَرٌ غير فاطمة بنت أسد .

كفالته للنبي ( صلى الله عليه وآله ) :

مات عبد الله بن عبد المطلب والنبي ( صلى الله عليه وآله ) حمل في بطن أمه ، وحينما ولد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تكفله جده عبد المطلب .

ولما حضرت الوفاة عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله ) وحياطته وكفالته ، وكان عمره ( صلى الله عليه وآله ) ثماني سنين .

فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام .

وكان أبو طالب يحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) حبا شديداً ، وفي بعض الأحيان إذا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يبكي ويقول : إذا رأيته ذكرت أخي عبد الله ، وكان عبد الله أخاه لأبويه .

إيمانه :

لما بعث النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلى البشرية مبشراً ومنذراً ، صَـدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله ، ولكنه لم يظهر إيمانه تمام الإظهار بل كتمه ليتمكن من القيام بنصرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن أسلم معه .

فإنه لم يكن يعبد الأصنام ، بل كان يعبد الله ويوحده على الدين الذي جاء به إبراهيم (عليه السلام) ، وخير دليل على ذلك هو خطبته التي ألقاها في طلب يد خديجة لابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يبعث بخمسة عشر عاماً .

وقد صرح أبو طالب عما في داخل نفسه وما يؤمن به في اشعاره الكثيرة المشحونة بالإقرار على صدق النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحقيقة دينه ، ناهيك عن الروايات الواردة عن النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) في شأن إيمانه .

وفاته :

لم يمهل القدر سيد قريش ورئيس مكة الذي ساد بشرفه لا بماله ، فمات في السابع من رمضان سنة عشرة للبعثة النبوية الشريفة ، وكان عمره آنذاك ست وثمانون سنة ، وقيل تسعون سنة .

نعم مات المربّي والكافل والناصر ، فيا لها من خسارة جسيمة ونكبة عظيمة ، و يالها من أيام محزنة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فإنه يفقد فيها سنده القوي ، وملجأه الأمين من عتاد قريش .

وحينما علم النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك ، قال لابنه :

( إمضي يا علي فتول غسله وتكفينه وتحنيطه ، فإذا رفعته على سريره فأعلمني ) .

ففعل ذلك ، فلما رفعه على السرير اعترضه النبي (صلى الله عليه وآله ) وقال :

( وصلتك رحم ، وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربيتَ وكفلتَ صغيراً ، ووازرت ونصرت كبيراً ) .

ثمّ أقبل على الناس وقال : ( أنا والله لأشفعن لعمي شفاعة يعجب لها أهل الثقلين ) .

أحمد ( رضوان الله عليه ) إبن الإمام الكاظم ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

السيد أحمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .

سيرته :

كان السيد أحمد ( رضوان الله عليه ) من كبار محدّثي أهل البيت ( عليهم السلام ) وعلمائهم الأجلاء ، ومن أصحاب الكرامات الباهرة .

وكان ( رضوان الله عليه ) كريماً ورعاً ، حتى أنه أعتق ألف عبد وأمة في سبيل الله ، وكتب ألف مصحف بيده ، وكان جليلاً شجاعاً .

وكان من أوثق أولاد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) بعد أخيه الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وقد وهبه أبوه ضيعته [ أي بستانه ] وهي المعروفة بـ( اليسيرة ) .

أخباره :

خرج السيد أحمد ( رضوان الله عليه ) مع جماعة من بني هاشم من المدينة المنورة ، قاصدين خراسان ( طوس ) ، للقاء الإمام الرضا ( عليه السلام ) .

فلمّا وصلوا إلى شيراز جنوب بلاد فارس ( إيران ) علم السيد أحمد بأن أخاه الإمام الرضا ( عليه السلام ) قد استشهد .

فأراد مواصلة السفر إلى ( طوس ) ، لكن حاكم مدينة ( شيراز ) من قبل المأمون منعه من السفر بأمر المأمون .

شهادته :

بعد منع السيد أحمد ( رضوان الله عليه ) من السفر إلى أخيه من قبل المأمون ، أدَّى ذلك إلى وقوع معركة بين حاكم شيراز وبين السيد أحمد وجماعته ، وانتهت بشهادة السيد أحمد ومن كان معه ، وذلك بعد سنة ( 203 هـ ) .

وقد دفن السيد أحمد بن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) في مدينة شيراز ، ومرقده الآن معروف بـ( شاه چراغ ) ، ويزوره محبي أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وطلاَّب الحوائج من كل حدب وصوب .

أروى بنت عبد المطلب (رضوان الله عليها) عمَّة النبي (صلى الله عليه وآله):

إسمها ونسبها :

أروى بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشية .

إسلامها :

أسلمت في مكة في أوائل البعثة النبوية .

أخبارها :

أروى بنت عبد المطلب من الصحابيات اللواتي سبَقْنَ إلى الإسلام ، وقد تزوَّجها في الجاهلية عمير بن وهب ، فولدت له طُلَيباً ، وأسلم طُلَيب في دار الأرقم .

وروي أنها كانت تعضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتنصره بلسانها ، وتحثُّ ابنها طُلَيباً على نصرته ، والقيام بأمره ( صلى الله عليه وآله ) .

وفي إحدى المرَّات تعرَّض أبو جهل وعدَّة من الكفار للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فآذوه ، فقام طُلَيب بن أروى إلى أبي جهل ، فضربه ضربة شجَّه بها .

فقيل لأمه : ألا ترَينَ ابنك ماذا يفعل من أجل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟

فقالت : خير أيامه يوم يذبُّ عن ابن خاله ، وقد جاء بالحق من عند الله ، ثم أنشدت البيت الآتي :

إِنَّ طُلَيباً نصرَ ابنَ خَاله

آسَاهُ فِي ذِي ذِمَّة وَمَاله

شعرها :

كانت أروى بنت عبد المطلب شاعرة فصيحة اللسان ، كأخواتها الأخريات بنات عبد المطلب .

وفي أيام مَرَضِ عبد المطلب قام بجمع بناته ، وأمرهنَّ بأن يقلن في حياته ما يردنَ أن يرثِينَه به بعد وفاته ، وذلك ليسمع ما تريد قوله كل واحدة منهنَّ .

فقالت أروى وهي ترثي أباها :

بَكتْ عَيني وحقَّ لها البُكاءُ

على سمع سَجِيَّته الحَياءُ

على سهل الخليفة أَبطَحِيٌّ

كريمُ الخيم نِيَّتُه العلاءُ

على الفيَّاض شَيبة ذِي المَعَالِي

أبوه الخَير ليس له كفاءُ

إسحاق ( رضوان الله عليه ) إبن الإمام الصادق ( عليه السلام ):

اسمه ونسبه :

السيد إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، ويكنى أبو محمد ، والملقَّب بـ( المؤتمن ) .

ولادته :

ولد بالعريض ( وادي يقع شرقي المدينة المنورة ) .

مكانته :

قال الشيخ المفيد ( قدس سره ) : كان من أهل الفضل والصلاح ، والورع والتقوى ، وكان محدِّثاً جليلاً ، روى عنه الناس الحديث والآثار .

كان يقول بإمامة أخيه الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، وروى عن أبيه النص على إمامته ، وادَّعت طائفة من الشيعة فيه الإمامة .

وكان سفيان بن عيينة إذا روى عنه يقول : حدَّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) .

وقد بلغ من جلالته أنَّ ابن كاسب كان إذا حدَّث عنه قال : حدَّثني الثقة الرضي إسحاق بن جعفر .

وفاته :

لم نظفر بتاريخ وفاته .

إسحاق ( رضوان الله عليه ) إبن الإمام الكاظم ( عليه السلام ):

اسمه ونسبه :

السيد إسحاق بن موسى بنِ جعفَر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) كان يُلقَّب بـ( الأمين ) .

مكانته :

عَدَّه البرقي والطوسي ( قدس سرهما ) في أصحاب الإمام الرضا ( عليه السلام ) إذْ روى عنه ، وعنه روى محمد بن مسلم كما في الكافي ، ومحمَّد بن الحسين ابن أبي الخطاب كما في العيون .

وممَّا أورده الشيخ الكليني ( قدس سره ) عن إسحاق بن موسى أنه قال : حدَّثني أخي [ الإمام الرضا ] وعمي [ علي بن جعفر ] عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :

( ثلاثةُ مجالس يمقتها الله ويرسل نقمته على أهلها ، فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم :

مجلساً فيه مَن يصف لسانه كذباً في فُتياه ، ومجلساً ذكْرُ أعدائنا فيه جديد وذكْرُنا فيه رثّ ، ومجلساً فيه من يصدعنا وأنت تعلم ) .

قال : ثمَّ تلا أبو عبد الله ( عليه السلام ) ثلاث آيات من كتاب الله ، كأنَّما كُنَّ في فيه – أو قال [ في كفِّه ] – :

( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) الأنعام : 108 .

( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) الأنعام : 68 .

( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ ) النحل 116 .

وفاته :

توفي ( رضوان الله عليه ) في المدينة المنوَّرة سنة ( 240 هـ ) .

أسماء بنت عميس ( رضوان الله عليها ) زوجة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ):

إسلامها :

أسلمت أسماء بنت عميس الخثعمية في بداية الدعوة الإسلامية ، ولها من المواقف ما سجله لنا التاريخ بأحرف من نور .

أزواجها :

كان زوجها الأول وهو جعفر بن أبي طالب ( عليهما السلام ) الملقب بـ (الطيار) ، وقد ولدت منه ثلاثة أبناء ، وهم : الأول : عبد الله زوج زينب ( سلام الله عليها ) ، والثاني : محمد ، والثالث : عون .

وبعد استشهاد جعفر بن أبي طالب في واقعة مؤتة تزوجها أبي بكر ، فولدت منه محمد بن أبي بكر .

وبعد وفاة أبي بكر تزوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فتربى محمد بن أبي بكر في حجره ، فكان ربيبه ، حتى قال فيه : محمد ابني من صلب أبي بكر .

وبعد ذلك ولدت له ( عليه السلام ) ابناً ، فسماه يحيى .

سيرتها :

هاجرت أسماء مع زوجها جعفر إلى الحبشة وتحملت الأذى في سبيل الله من القريب والبعيد .

وعندما عادت من أرض الحبشة إلى المدينة المنورة قال لها عمر : يا حبشية ، سبقناكم بالهجرة ، فقالت : أي ، لعمري لقد صدقت ، كنتم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطعم جائعكم ، ويعلِّم جاهلكم ، وكنا البعداء الطرداء ، أما والله لآتين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلأذكرنَّ له ذلك .

فأتت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخبرته بمقالة عمر ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) لها : للناس هجرة واحدة ، ولكم هجرتان ، الهجرة الأولى للحبشة ، والثانية للمدينة المنورة .

وبناءً على ذلك يحق لأسماء أن تفتخر بما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لها .

ومن الأمثلة الدالة على صبر وتحمِّل أسماء ( رضوان الله عليها ) هو أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعد مقتل زوجها في مؤتة ، ذهب إلى بيتها فقال لها : يا أسماء ، أين بنو جعفر ؟ ، فجاءته بهم ، فضمهم وشمهم .. فقالت أسماء : أي رسول الله ، لعله بلغك عن جعفر شيء ؟ ، قال : نعم ، قُتل جعفر ، يا أسماء لا تقولي لي هجراً ، ولا تضربي صدراً .. وقال : على مثل جعفر فلتبك الباكية ، ثم قال : اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد شُغلوا عن أنفسهم اليوم .

منزلتها :

وردت كثير من الروايات في منزلة أسماء وعلو مكانتها في الإسلام ، نذكر منها الروايتين الآتيتين :

الرواية الأولى :

روي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنه قال في أخوات الجنة :

(رحم الله الأخوات من أهل الجنة ، فسمَّاهن : أسماء بنت عميس الخثعمية ، وكانت تحت جعفر بن أبي طالب.

الرواية الثانية:

روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : كان مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) خمسة نفر ، وكان ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية ، فأما الخمسة : محمد بن أبي بكر ( رحمه الله ) عليه أتته النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس ، وكان معه هاشم المرقال .

وفاؤها للزهراء ( سلام الله عليها ) :

روي في تزويج فاطمة ( عليها السلام ) : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر النساء بالخروج فخرجن مسرعات إلا أسماء فقد تأخرت ، فدخل النبي (صلى الله عليه وآله) تقول أسماء : فلما خرج رأى سوادي ، فقال : مَن أنتِ ؟ ، فقلت : أسماء بنت عميس ، قال : ألم آمرك أن تخرجي ؟!! ، فقالت : بلى يا رسول الله ، وما قصدت خلافك ، ولكن كنت حضرت وفاة خديجة فبكت عند وفاتها ، فقلت لها: تبكين وأنت سيدة نساء العالمين ، وزوجة رسول الله ، ومبشرة على لسانه بالجنة ؟!! ، فقالت : ما لهذا بكيت ولكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة ، وفاطمة حديثة عهد بصبا ، وأخاف أن لا يكون لها مَن يتولى أمرها ،

فقلت لها : يا سيدتي ، لك عهد الله عليّ إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامكِ في ذلك الأمر .

فبكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : فأسأل الله أن يحرسك من فوقك ، ومن تحتك ، ومن بين يديك ، ومن خلفك ، وعن يمينك ، وعن شمالك ، من الشيطان الرجيم .

وفاتها :

توفيت أسماء بنت عميس ( رضوان الله عليها ) في سنة أربعين للهجرة .

إسماعيل ( رضوان الله عليه ) ابن الإمام الصادق ( عليه السلام ):

إسمه ونسبه :

إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .

الإسماعيلية :

كان إسماعيل أكبر أبناء الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وكان يحبه حبّاً شديداً ، ويبرُّ به ، ويشفق عليه ، ولذلك كان قوم من الشيعة يظنون أنه الإمام بعد أبيه .

وروي أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان قد جزع عليه جزعاً شديداً ، وحزن عليه حزناً عظيماً عندما مات ( رضوان الله عليه ) .

وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه – قبل دفنه – يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الذين كان يظنون بأنه الإمام من بعده ( عليه السلام ) لإزالة الشبهة عنهم .

لكن شرذمة قالوا بإمامة إسماعيل ( رضوان الله عليه ) ، واعتقدوا بأنه لم يَمُتْ ، وسُمَّوا بفرقة الإسماعيلية ، أو السبعية .

باعتبار أنهم خالفوا الإثني عشرية في الإمام السابع ، وهذه الفرقة موجودة في العالم الإسلامي إلى وقتنا الحاضر .

وفاته :

توفي إسماعيل ( رضوان الله عليه ) سنة ( 133 هـ ) في منطقة العُريض ، قرب المدينة المنورة ، وذلك في حياة أبيه الإمام الصادق ( عليه السلام) .

ودُفن في مقبرة البقيع ، وقد كانت على مرقده الشريف قبة هدمها الوهابيون عند استيلائهم على المدينة .

أم حبيبة ( رضوان الله عليها ) زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله )

اسمها وكنيتها :

اسمها رملة بنت أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس ، وتكنى بـ ( أم حبيبة ) ، وهي بكنيتها أشهر من اسمها .

وكان إسلامها في وقت مبكر من ظهور الدعوة الإسلامية .

زواجها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

كانت أم حبيبة قد تزوجت من عبيد الله بن جحش ، وخرج معها مهاجراً إلى أرض الحبشة مع المهاجرين ، لكنه تنصَّر هناك ومات نصرانياً .

أما أم حبيبة فقد أبت أن تتنصر وثبتها الله سبحانه على الإسلام والهجرة حتى رجعت إلى المدينة المنورة .

ثم بعد ذلك خطبها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت قد هاجرت مع مَن هاجر إلى الحبشة ، وبقيت ثابتة على إيمانها وعقيدتها لا تتزحزح ولا تأخذها في الله لومة لائم .

وعندما جاء الإسلام جعل رابطة الدين والعقيدة فوق كل الروابط التي تجمع بين الناس ، مثل : الروابط الإقليمية ، والوطنية ، والقومية وأمثالها .

ولأم حبيبة ( رضوان الله عليها ) موقف عملي جسّد هذه المعاني ، وهذا الموقف كان مع أقرب الناس إليها دماً ، وهو أبوها ( أبو سفيان ) يوم أن كان مشركاً ، وجاء إلى المدينة ليرمّم ما أفسدته قريش في نقضها لصلح الحديبية ، فدخل على ابنته أم حبيبة ، فلما ذهب ليجلس على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) طَوَته عنه ، فقال : يا بنيّة ، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش ، أم رغبت به عني ؟ قالت : بل هو فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنت رجل مشرك نجس ، فلم أحب أن تجلس عليه ، قال : والله لقد أصابك بعدي شرّ .

أما عن إيمان أم حبيبة ونقاء سجيتها ، فقد روي أن عائشة قالت : دعتني أم حبيبة عند موتها وقالت : قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر ، فتحللينني من ذلك فحللتها ، واستغفرت لها ، فقالت لي ، سررني سرَّك الله ، وأرسلت إلى أم سلمة بمثل ذلك .

وأخيراً :

أن أم حبيبة روت عشرات الأحاديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كما روى عنها الكثير من الصحابة .

وفاتها :

جاء في كتاب الاستيعاب ما ملخصه : توفيت أم حبيبة ( رضوان الله عليها ) سنة أربع وأربعين للهجرة ، وهي السنة التي ادّعى فيها معاوية أن زياد بن أبيه أخوه .

أم سلمة ( رضوان الله عليها ) زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله )

اسمها ونسبها :

اسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية ، زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأم المؤمنين .

زواجها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

عندما توفي زوج أم سلمة وبعد انقضاء عدتها خطبها أبو بكر ، فلم توافق على الزواج منه ، فبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر يخطبها عليه فوافقت ، وتم زواجهما سنة أربع وقيل سنة ثلاث للهجرة النبوية .

سيرتها :

كانت أم سلمة ( رضوان الله عليها ) من أعقل النساء وكانت لها أساليب بديعة في استعطاف النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأدب بارع في مخاطبته وطلب الحوائج منه .

ومن صفاتها أنها كانت فقيهة عارفة بغوامض الأحكام الشرعية ، حتى أن جابر بن عبد الله الأنصاري كان يستشيرها ويرجع إلى رأيها .

وكانت موصوفة بالجمال ، والعقل البالغ ، والرأي الصائب ، واقتراحها على النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الحديبية يدل على نضوج عقلها وصواب رأيها.

أم سلمة وآية التطهير :

جاء في كتاب مجمع البيان للطبرسي : قالت أم سلمة أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في بيتها ، فأتته فاطمة ( عليها السلام ) ببُرمة [ البرمة : قدر مصنوع من الحجر ] فيها حريرة [ الحريرة : السكر مع النشأ المطبوخ ] فقال لها: ادعي زوجك وابنيك [ علي والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ] ، فأكلوا منها ثم ألقى عليهم كساءً له خيبريا فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي .. ثم قالت أم سلمة : فأنزل الله تعالى :

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُم الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرُكُم تَطهِيراً ) .

فقلت يا رسول الله وأنا معهم ؟ قال : أنت إلى خير .

موقفها من أبي بكر :

عندما حرم أبو بكر حق الزهراء ( عليها السلام ) في فدك ، قامت أم سلمة في مجلس أبي بكر وقالت له : با أبا بكر ، كيف اعتقدت أن ميراث النبي ( صلى الله عليه وآله ) حرام ؟ وأنه لم يوصِ بذلك ؟!! مع العلم أن الله عزَّ وجل أمره في القرآن الكريم بإنذار عشيرته الأقربين ، مهلاً يا أبا بكر ، فإن رسول الله مطلع على أعمالك ، وسيكون خصيمك في يوم الحساب ، وسترى نتيجة أفعالك .

وعلى أثر هذا الموقف أمر أبو بكر بإيقاف إعطاء أم سلمة من بيت المال لمدة سنة واحدة .

ولاؤها لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

جاء في كتاب أعيان الشيعة : لما سار علي ( عليه السلام ) إلى البصرة لحرب الجمل ، دخل على أم سلمة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) يودعها ، فقالت : سِر في حفظ الله وفي كنفه ، فوالله إنك لعلى الحق والحق معك ، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله فإنه أمرنا أن نقر في بيوتنا لسرتُ معك ، ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل عندي وأعز عليّ من نفسي إبني عمر .

روايتها للحديث :

روت أم سلمة أحاديث كثيرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كما روت عن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وغيرها من الصحابة والتابعين .

وكنموذج لما روته أم سلمة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ننقل الحديث الشريف الآتي :

( علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) .

وفاتها :

هناك روايتان في وفاة أم سلمة ( رضوان الله عليها ) : الأولى : أنها توفيت في شوال سنة ( 59 هـ ) ، والثانية : أنها توفيت آخر سنة ( 61 هـ ) .

أم فروة ( رضوان الله عليها ) زوجة الإمام الباقر ( عليه السلام )

إسمها ونسبها :

فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وهي أم الإمام الصادق ( عليه السلام ) وزوجة الإمام الباقر ( عليه السلام ) .

سيرتها :

كانت أم فروة امرأة مؤمنة ، تقية ، محسنة ، كما وصَفَها الإمام الصادق

( عليه السلام ) .

وروي عنها أنها قالت :

إني لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرة ، لأنا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب ، وهم يصبرون على ما لا يعلمون .

وقال المسعودي في كتاب إثبات الوصية :

كانت أم فروة بنت القاسم من أتقى نساء زمانها ، وَرَوَتْ عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) أحاديث .

وفاتها :

لم نعثر على تاريخ وفاتها .

السيدة أم كلثوم بنت الإمام أمير المؤمنين( عليهما السلام )

اسمها ونسبها :

هناك رأيان في السيّدة أم كلثوم بنت الإمام علي ( عليه السلام ) :

1ـ إنّ لفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بنتاً واحدة لا أكثر ، تسمّى بالسيّدة زينب ( عليها السلام ) وتكنّى بأم كلثوم .

2ـ إنّ لفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بنتان لا بنتاً واحدة .

أحدهما : تسمّى بزينب ( عليها السلام ) ، أو تسمّى بزينب الكبرى .

وثانيهما : تسمّى بأم كلثوم ، أو تسمّى بزينب الصغرى وتكنّى بأم كلثوم ، والرأي الثاني هو المشهور عند علمائنا .

ولادتها ونشأتها :

ولدت السيّدة أم كلثوم ( عليها السلام ) في السنة السابعة من الهجرة ، ونشأت في حجر الزهراء ( عليها السلام ) ، وتأدّبت بآداب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ونمت برعاية الحسن والحسين ( عليهما السلام ) .

وكانت السيّدة أم كلثوم ( عليها السلام ) مع أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء ، ومع الإمام السجاد ( عليه السلام ) إلى الشام ، ثمّ إلى المدينة .

وقد شاركت أختها زينب الكبرى ( عليها السلام ) في جميع الأحداث والمصائب ، وهي التالية لشقيقتها فضلاً وسنّاً وفصاحة وبلاغة .

زواجها من عمر بن الخطّاب :

في الأخبار أنّ عمر بن الخطّاب تزوّجها غصباً ، كما في الحديث الوارد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في تزويجها قال : ( إنّ ذلك فرج غصبناه ) ، وأنكر جمع من العلماء والمحقّقين ذلك الزواج ، وأنّ الإمام علي ( عليه السلام ) أرسل إلى عمر جنية من أهل نجران تمثّلت في مثال أم كلثوم .

دفاعها عن أبيها ( عليه السلام ) :

لما بلغ عائشة نزول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بذي قار كتبت إلى حفصة بنت عمر : أمّا بعد ، فلمّا نزلنا البصرة ، ونزل علي بذي قار ، والله داق عنقه كدق البيضة على الصفا ، إنّه بمنزلة الأشقر ، إن تقدّم نحر ، وإن تأخّر عقر .

فلمّا وصل الكتاب إلى حفصة استبشرت بذلك ، ودعت صبيان بني تيم وعدي وأعطت جواريها دفوفاً وأمرتهن أن يضربن بالدفوف ، ويقلن : ما الخبر ، ما الخبر ، علي كالأشقر ، بذي قار ، إن تقدّم نحر ، وإن تأخّر عقر .

فبلغ أم سلمة ( رضوان الله عليها ) اجتماع النسوة على ما اجتمعن عليه من سب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والمسرّة بالكتاب الوارد عليهن من عائشة ، فبكت وقالت : أعطوني ثيابي حتّى أخرج إليهن وأوقع بهم .

فقالت أم كلثوم ( عليها السلام ) : أنا أنوب عنك ، فإنّني أعرف منك ، فلبست ثيابها وتنكّرت وتخفّرت ، واستصحبت جواريها متخفّرات ، وجاءت حتّى دخلت عليهن كأنّها من النضارة ، فلمّا رأت إلى ما هن فيه من العبث والسفه ، كشفت نقابها وأبرزت لهن وجهها ، ثمّ قالت لحفصة : إن تظاهرت أنت وأختك على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقد تظاهرتما على أخيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من قبل ، فأنزل الله عز وجل فيكما ما أنزل ، والله من وراء حربكما .

وأظهرت حفصة خجلاً وقالت : إنّهن فعلن هذا بجهل ، وفرّقتهن في الحال .

حضورها في كربلاء :

هناك عدّة أمور تثبت حضورها ووجودها ( عليها السلام ) في كربلاء منها :

1ـ إنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) لما نظر إلى اثنين وسبعين رجلاً من أهل بيته صرعى ، التفت إلى الخيمة ونادى : ( يا سكينة ، يا فاطمة ، يا زينب ، يا أم كلثوم ، عليكن منّي السلام … ) .

2ـ إنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) أقبل على أم كلثوم ، وقال لها : ( أوصيك يا أخية بنفسك خيراً ، وإنّي بارز إلى هؤلاء القوم ) .

3ـ بعد مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) أقبل فرسه إلى الخيام ، فلمّا نظر أخوات الحسين ( عليه السلام ) وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد رفعن أصواتهن بالبكاء والعويل ، ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت : وا محمّداه ، وا جدّاه ، وا نبيّاه ، وا أبا القاسماه ، وا علياه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه ، هذا حسين بالعراء ، صريع بكربلا ، مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء … .

4ـ صار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة ، إنّ الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم ، وترمي بها إلى الأرض .

5ـ قال مسلم الجصاص : والناس يبكون على ما أصابهم ، ثمّ إنّ أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم : صه يا أهل الكوفة ، تقتلنا رجالكم ، وتبكينا نساؤكم ! والحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء .

خطبتها ( عليها السلام ) :

خطبت السيّدة أم كلثوم ( عليها السلام ) في مجلس عبيد الله بن زياد بالكوفة ، وهي خطبة معروفة وفي الكتب مسطورة , بقولها : يا أهل الكوفة ، سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ! فتباً لكم وسحقاً .

ويلكم أتدرون أي دواه دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم ، وأي دماء سفكتموها ، وأي كريمة أصبتموها ، وأي صبية سلبتموها ، وأي أموال انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي ، ونزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إنّ حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون … .

قال الراوي : فضجّ الناس بالبكاء والنوح ، ونشر النساء شعورهن ، ووضعن التراب على رؤوسهن ، وخمشن وجوههن ، وضربن خدودهن ، ودعون بالويل والثبور ، وبكى الرجال ونتفوا لحاهم ، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم .

شعرها حين رجوعها من الشام :

إنّ أم كلثوم ( عليها السلام ) حين توجّهت إلى المدينة جعلت تبكي وتقول :

مدينـة جـدّنا لا تقبليـنا

فبالحسرات والأحزان جينا

ألا فاخبر رسول الله عنّا

بأنّا قد فجعـنا فـي أبيـنا

ومن جملتها :

مدينـة جـدّنا لا تقبليــنا

فبالحسرات والأحزان جينا

خرجنا منك بالأهليـن جمعاً

رجعنا لا رجال ولا بنيـنا

وكنّا في الخروج بجمع شمل

رجعنا خاسـرين مسلبينا

وكنّا في أمـان الله جهـراً

رجعنا بالقطيعة خائفيـنا

ومولانا الحسين لنا أنيـس

رجعنا والحسين به رهينا

فنحن الضـائعات بلا كفيل

ونحن النائحات على أخينا

ألا يا جدّنا قتلـوا حسـيناً

ولم يرعـوا جناب الله فينا

ألا يا جـدّنا بلغت عـدانا

مناها واشتفى الأعداء فينا

لقد هتكوا النساء وحملوها

على الأقتاب قهراً أجمعينا

 وفاتها ( عليها السلام ) :

توفّيت ( عليها السلام ) بالمدينة المنوّرة بعد رجوعها مع السبايا من الشام بأربعة أشهر وعشرة أيّام .

أولاد مسلم بن عقيل ( عليه السلام )

قتل في واقعة الطف مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته يوم عاشوراء :

1 – محمد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وأمه أم ولد .

2 – عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وأمه رقية بنت علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

وبعد قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) فرّ غلامان صغيران لمسلم بن عقيل في الصحراء ، وبعد رحيل الأسارى والنساء عثر على الغلامين فأرسلا إلى عبيد الله بن زياد فأمر بسجنهما والتضييق عليهما .

وكان السجان يأتيهما بقرصين من شعير وكوز ماء مساء كل يوم ، ومكثا مدة عام تـقريباً على هذه الحالة .

وذات ليلة فرا من السجن ، وبعد أن أنهكهما التعب وجنهما الليل انتهيا إلى عجوز على باب ، فقالا لها : يا عجوز ، إنا غلامان صغيران غريبان ، غير خبيرين بالطريق فهل تضيفيننا هذه الليلة ؟

فقالت العجوز : فمن أنتما ؟ قالا :

نحن من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) هربنا من سجن عبيد الله بن زياد ومن القتل .

فقالت : إن لي ختـناً فاسقاً قد شهد واقعة الطف مع عبيد الله بن زياد ، أتخوّف أن يصيبكما هنا فيقتلكما ، قالا : سواد ليلتنا هذه ، فآوتهما .

ولما علم عبيد الله بن زياد بخبر هروبهما بعث جلاوزته للتفتيش عنهما وجعل ألف دينار لمن يأتي برأس أحدهما وألفي دينار لمن يأتي برأسيهما .

انطلقت الجلاوزة للتفتيش وكان ختن العجوز من ضمنهم ، ولما عجز وأسدل الليل ظلامه ورجع إلى منزله وعثر على الغلامين في البيت ، فقال لهما : من أنتما ؟

قالا له : يا شيخ إن نحن صدقناك فلنا الأمان ؟

قال : نعم ، قالا : أمان الله وأمان رسوله ، وذمة الله وذمة رسوله (صلى الله عليه وآله)؟

قال : نعم ، قالا : ومحمد بن عبد الله على ذلك من الشاهدين ؟

قال : نعم ، قالا : والله على ما نقول وكيل وشهيد ؟

قال : نعم ، فقالا : نحن من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، هربنا من سجن عبيد الله زياد من القتل .

فقال لهما : من الموت هربتما وإلى الموت وقعتما ، فكتـفهما حتى الصباح ، وفي الصباح أرسلهما مع عبد أسود يقال له ( فُلـَيح ) وأمره بقتلهما على شاطئ الفرات وجلب رأسيهما ليحضى بجائزة عبيد الله بن زياد .

فقالا له : ياشيخ ، بعنا واستـفد بثمننا ولا تقتلنا وتلقى رسول الله بدمنا ، فامتنع .

فقالا : ابعثنا إلى عبيد الله بن زياد واستلم جائزتك منه ، فلم يقبل ، وتوسلا به كثيراً فلم ينفع وأمر العبد بالذهاب إلى شاطيء الفرات ليقتلهما .

فقالا : الله يحكم بيننا وبينك وهو خير الحاكمين .

ولما سارا مع العبد وعلم العبد أنهما من عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) امتنع عن قتلهما وعبر النهر إلى الجانب الآخر ، فجاء ختن العجوز ومعه السيف ، وقتل الطفلين على شاطيء الفرات بعد أن صليا ركعتين لوجه الله .

ورمى بجثتيهما في الفرات ، ووضع رأسيهما في جراب له وأتى بهما الى عبيد الله بن زياد وهو جالس على كرسي له وبيده قضيب خيزران ، فوضع الرأسين بين يديه ، فلما نظر إليهما ، قام ثم قعد ثلاثاً ، ثم قال :

الويل لك ، أين ظفرت بهما ؟

قال : أضافتهما عجوز لنا ، قال : فما عرفت لهما حق الضيافة ؟ قال : لا ، قال : فأي شيء قالا لك ؟

قال : قالا لي : كيت وكيت ، وقص عليه ما دار بينهم .

فقال عبيد الله بن زياد : فإن أحكم الحاكمين قد حكم بينكم ، من للفاسق ؟

فانتدب له رجل من أهل الشام ، فقال : أنا له ، قال عبيد الله : انطلق به إلى الموقع الذي قتل فيه الغلامين ، فاضرب عنقه ، ولا تترك أن يختلط دمه بدمهما وعجل برأسه ، ففعل الرجل ذلك وجاء برأسه فنصبه على قناة ( رمح ) فجعل الصبيان يرمونه بالنبل والحجارة وهم يقولون :

هذا قاتل ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

جعدة بن هبيرة المخزومي ( رضوان الله عليه ) ابن أخت الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام )

إسلامه :

أسلم جعدة بن هبيرة بعد فتح مكة ( 8 هـ ) ، وكانت أمه ( أم هاني ) أخت الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

صفاته :

اكتسب جعده من خاله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعض الصفات ، منها أنه كان خطيباً بليغاً ، وعالماً شجاعاً ، حتى أن عتبة بن أبي سفيان قال له في إحدى المرات : إن شجاعتك وبطولتك قد ورثتها من خالك علي ( عليه السلام ) ، فقال له جعدة : نعم لو كان لك مثل هذا الخال لنسيت أباك – أي أبو سفيان – .

ولاؤه لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

كانت لجعدة علاقة خاصة بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وفي أيام خلافته كان جعدة والياً على خراسان ، ولشدة تعلقه به ( عليه السلام ) فقد كان على استعداد لبذل المال والنفس في سبيله .

وفي الوقت نفسه كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يُبادله نفس المشاعر ، حتى أنه ( عليه السلام ) أوصى قبل استشهاده – لكي لا يطلع أحد على مكان قبره – بإعداد أربعة قبور ، الأول : في المسجد ، والثاني : في الرحبة ، والثالث : في الغري ، والرابع : في بيت جعده بن هبيرة .

وفاته :

توفي جعدة بن هبيرة في خلافة معاوية .

جعفر الطيار ( عليه السلام ) أخو الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

جعفر بن أبي طالب الهاشمي القرشي ، المعروف بـ( جعفر الطيّار ) ، وأمُّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .

ويكنَّى بـ( أبي عبد الله ) ، وكنَّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بـ( أبي المساكين ) ، لأنّه كان يعطف على المساكين ، ويتفقَّدهم ، ويجلس معهم .

ولادته :

وُلد بمكّة قبل البعثة .

منزلته ومواقفه :

كان من السابقين إلى الإسلام ، فقد أسلم بعد إسلام أخيه أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بقليل .

وهو ثاني من صلَّى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله ) من الرجال ، في أوَّل جماعة عقدت في الإسلام .

وهاجر في السنة الخامسة من البعثة مع الدفعة الثانية التي هاجرت إلى الحبشة ، وكان جعفر على رأس المهاجرين ، وصحب معه زوجته أسماء بنت عميس .

لمنزلته العظيمة ودوره الكبير في نشر الإسلام وتبليغه ، ضرب له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم بدرٍ سهماً من الغنيمة ، حاله حال المقاتلة ، ولم يكن جعفر حاضراً فيها .

قدم على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في السنة السابعة من الهجرة ، حيث كان فتح خَيْبَر ، فاعتنقه الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وقال : ( مَا أدري بأيِّهما أنا أشدُّ حرصاً ، بقدوم جعفرٍ ، أم بِفَتحِ خَيْبَر ) .

ولقِب بـ( ذي الهِجْرَتين ) ، لأنّه هاجر من مكّة إلى الحبشة ، ومنها إلى المدينة ، حيث أنزله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى جنب المسجد ، واختار له منزلاً هناك .

شهادته :

أمَّره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على جيش المسلمين في غزوة مُؤْتَة ، فإن قُتِلَ فزَيد بن حارثة ، فإن قُتِل – زيد بن حارثة –  فعبدُ الله بن رَوَاحة .

فقطعت يده اليمنى ، فقاتل ( رضوان الله عليه ) باليسرى حتّى قطعت ، فَضُرِبَ وسطه .

فسقطَ ( رضوان الله عليه ) شهيداً مضرَّجاً بدمه ، وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر جمادى الثاني عام ( 8 هـ ) ، ودُفِن في مؤتة ، وهي قرية من قرى البلقاء في حدود الشام ، وله مزار معروف هناك .

حزن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لوفاته حزناً شديداً ، وبكى عليه وقال : ( عَلَى مِثلِ جعفَرٍ فَلتَبكِ البَواكي ) .

وقال فيه ( صلى الله عليه وآله ) يصف فيه خصال جعفر : ( إنَّ خُلُقك خُلُقي ، وأشبَهَ خَلقك خَلقي ، فأنتَ مِنِّي ومن شجرتي ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله ) لما قُتِل جعفر : ( إنَّ اللهَ أبدَلَهُ بيديه جناحَين ، يطيرُ بِهِما في الجنَّة حيثُ شَاء ).

الحسن ( رضوان الله عليه ) ابن الإمام الحسن ( عليه السلام )

إسمه ونسبه :

الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) الهاشمي القرشي .

وأمه خولة بنت منظور الفزارية .

سيرته :

كان الحسن جليلاً ، رئيساً ، فاضلاً ، وَرِعاً ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وقته .

وكان قد حضر عمَّه الإمام الحسين ( عليه السلام ) في واقعة الطف ، فلمَّا قُتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأُسِّر الباقون من أهله جاءه أسماء بن خارجة ، فانتزعه من بين الأسرى وقال :

والله لا يوصل إلى ابن خولة أبداً .

فقال عُمَر بن سعد : دعوا لأبي حسان ابن أخته ، وهكذا أُخلي سبيله .

وروي أنه كان به جراح قد أُشفي منها .

روايته للحديث :

روى كثير من الأحاديث الشريفة عن جدِّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بواسطة أبيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، وعن فاطمة بنت الحسين ، وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

وكمثال نروي الحديث النبوي الشريف الذي رواه الحسن عن جدِّه ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال :

( حَيثُما كُنتُم فَصَلُّوا عَليَّ ، فَإِنَّ صَلاتَكُم تَبلُغَنِي ) .

وقد روى عن الحسنِ ابنُه عبد الله ، وابن عمه الحسن ابن محمد بن الحنفية ، وهناك غيرهم .

وفاته :

قيل : توفي الحسن ( رضوان الله عليه ) في سنة ( 97 هـ ) .

وفي إرشاد الشيخ المفيد :

قُبِضَ الحسن ( رضوان الله عليه ) بن الحسن ( عليه السلام ) وله خمس وثلاثون سنة .

الحسين بن زيد بن الامام زين العابدين ( عليهم السلام )

ولادته :

ولد الحسين بالشام سنة مائة واربع عشرة ، هذا على رأي وعلى الرأي الآخر أنه ولد سنة مائة وسبع عشرة ، وكُنّي أبو عبد الله وأبو عاتقة ، ولُقِّب بذي الدمعة والعبرة لكثرة بكائه .

نشأته :

نشأ في حِجر الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، واستفاد منه عِلماً كثيراً وأدباً جماً ، ونال بسببه خيراً شاملاً .

وحدث النجاشي وابن داود بترجمتهما : أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) زوجه أم كلثوم بنت محمد بن عبد الله الأرقط ، وكانت ذات جمال ومال وخدم ، فحسنت حاله ببركة الإمام الصادق ( عليه السلام ) وصار معدوداً في أهل الثروة والمال .

من ذلك يمكننا أن نستفيد حُسن مذهبه وموالاته للإمام الصادق ( عليه السلام ) ، و اعترافه بإمامة الإمام الكاظم بعد أبيه الصادق ( عليهما السلام) وأنه الحجة على الناس ، لا يضل من تبعه ، ولا يهتدي مَن خالفه .

ويرشدنا أيضاً إلى عدم جهله بالمستحق للإمامة من بعد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وكيف لا يعرف المستحق للإمامة مَن كان متربّياً في حِجر الإمام الصادق ( عليه السلام ) ومتخرجاً من مدرسته ، وقد استفاد من علومه ومعارفه ؟! .

الرواية عنه :

ولفضله الجم ، وأدبه الكثير ، التَفَّ حوله جماعة من حَمَلة الحديث وحَفَظة الآثار ، وأخذوا عنه مكارم الأخلاق ، ومحاسن الصفات ، وعلل الأحكام .

وفي مستدرك الحاكم روي عنه حديث :

( إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ) .

وأما روايته للحديث ، فعن الإمام الصادق والإمام الكاظم ( عليهما السلام ) :

( فلا وقفة لعلماء الرجال في الأخذ بأحاديثه ، وتصديقه فيما يُحدث به ) ، لذلك أخرجوا أحاديثه في صحاحهم .

وفاته :

تُوفي الحسين بن زيد بن الإمام زين العابدين ( عليهم السلام ) سنة مائة وخمس وثلاثين ، أو مائة وأربعين .

حليمة السعدية ( رضوان الله عليها ) مرضعة النبي ( صلى الله عليه وآله )

نسبها :

حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيسا بن عيلان ، من قبيلة بني سعد بن بكر ، من بادية الحديبية بالقرب من مكة .

قصة الرضاعة :

كانت عادة الأشراف من العرب أن ترسل بأولادها إلى البادية للارتضاع ، حتى يشب الولد وفيه طهارة الجو الطلق ، وفصاحة اللغة البدوية ، التي لم تشبها رطانة الحضر المختلط من صنوف مختلفة ، وشجاعة القبائل التي لا تعرف جبناً بواسطة قيود المدينة ، وصفاء النفس التي تشمل انطلاق الصحراء ، وهكذا ارتأى جدُّ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عبد المطلب .

وجرياً وراء هذه العادة ، كانت نساء القبائل تأتي في كل سنة إلى مكة المكرمة لتأخذ أبناء الأشراف ، وذوي المناصب والجاه .

فأمر عبد المطلب أن يؤتى بالمرضعات ، ليختار منهن واحدة ، لحفيده الميمون ، فأتت النساء تسعى إلى عبد المطلب ، لتنال هذا الشرف الذي فيه مفخرة إرضاع هاشمي والنيل من رفد زعيم مكة .

فلم يقبل الوليد – وهو النبي ( صلى الله عليه وآله ) – ثدي أية امرأة منهنَّ ، فَكُنَّ يرجعن بالخيبة ، وكأن الله سبحانه وتعالى لم يشأ إلا أن ترضع النبي ( صلى الله عليه وآله ) امرأة طاهرة نقية .

وهكذا حتى انتهى الدور إلى امرأة شريفة عفيفة تسمى بـ ( حليمة السعدية ) .

فلما مَثُلَت بين يدي عبد المطلب سألها عن اسمها ، ولما أُخبر باسمها ، تفآءل وقال : حلم وسعد !! .

فأعطَوهَا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإذا به يلقم ثديها ويقبل على المص ببهجة وحبور .

ففرح الجميع لذلك ، وأخذوا يباركون الجدَّ والمرضعةَ .

وهناك عادت حليمة إلى قومها بخير الدنيا ، وسعادة الآخرة ، تحمل الوليد المبارك ، وشاءت الأقدار أن تَدُرَّ على قبيلة حليمة الخير والبركة ، بِيُمنِ هذا المولود الرضيع .

فكانت السماء تهطل عليهم بركة وسعة وفضلاً ، والوليد الرضيع ينمو نمواً مدهشاً على غير عادة أمثاله .

ويوماً بعد يوم تظهر في سماته آثار العز والجلال ، مما تُنبئ بمستقبل نير ، فكانت القبيلة تتعجب من هذا الرضيع .

وأخذ الطفل يَشبُّ وينمو ، ويقوى ويكبر ، وفي صباح كل يوم تقع عينا حليمة وعيون القبيلة على وجه وضاء مشرق .

أخبارها مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكرم مرضعته حليمة السعدية ، ويتحفها بما يستطيع .

فعن شيخ من بني سعد قال : قدمت حليمة بنت عبد الله على رسول الله مكة ، وقد تزوج ( صلى الله عليه وآله ) خديجة ، فشكت جدب البلاد ، وهلاك الماشية ، فَكَلَّمَ رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) خديجة ( رضوان الله عليها ) فيها ، فأعطتها أربعين شاة وبعيراً ، وانصرفت إلى أهلها ، وكانت المرة الثانية التي التقت فيها النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم حنين .

وفاتها :

توفيت حليمة السعدية ( رضوان الله عليها ) في المدينة المنورة ، ودفنت في البقيع .

حمزة بن عبد المطلب ( عليه السلام ) عمُّ النبي ( صلى الله عليه وآله )

إسمه ونسبه :

حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف .

ولادته :

ولد حمزة قبل ولادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بسنتين ، وقيل : بأربع سنوات .

إسلامه :

أسلم في السنة الثانية من البعثة ، وقيل بأربع سنين .

سيرته وجهاده :

روي أن حمزة بن عبد المطلب كان أخاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة .

وبعد أن أعلن حمزة إسلامه هاجر مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة المنورة ، وكان الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قد آخى بينه وبين زيد بن حارثة .

وروي أن أول لواء عقده الرسول ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة كان لحمزة ، إذ بعثه في سريَّة من ثلاثين راكباً لإعتراض قافلة فريش التي كانت قادمة في ثلاثمِائة راكب من الشام بقيادة أبي جهل ، ولم يقع قتال بين الطرفين ، فعادت سريَّة حمزة إلى المدينة .

وكذلك حمل حمزة في السنة الأولى من الهجرة لواء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة بواط ، والأبواء ، وبني قينقاع .

وبالغ حمزة في نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في معركة بدر الكبرى ، وأبلى فيها بلاءً حسناً ، وقَتَل فيها سبعة من صناديد قريش .

قصة شهادته :

شهد حمزة بن عبد المطلب معركة أُحُد ، وله فيها صولات مشهودة .

ولأنه – كما أشرنا – قَتَل في بدر صناديد العرب فقد ترك اللوعة والأسى في قلوب مشركي مكة ، فأضمروا له الكيد وأخذوا ينتهزون الفُرَص للانتقام منه .

وكانت هذه بنت عتبة قد بعثت إلى وحشي بن حرب قبل معركة أُحُد ، وكان عبداً من أهل الحبشة .

فأغرته بالأموال إن هو قتل حمزة ، وذلك طلباً لثأر أبيها وأخيها اللذان قُتلا ببدر .

وكان وحشي مشهوراً برمي الحربة ، ولم تكن العرب آنذاك تعرف هذا السلاح الذي كان خاصاً بأهل الحبشة .

وتُسمى هذه الحربة عند العرب بـ ( المزراق ) ، وهي : عبارة عن رمح قصير .

فقال وحشي وهو في أرض أُحُد : إني والله لأنظر إلى حمزة وهو يهذ الناس بسيفه ، ما يلقى شيئاً يمر به إلا قتله .

فهززتُ حربتي ودفعتها عليه ، فوقعت في ثنته [ أسفل بطنه ] ، فخرَّ صريعاً ثم تنحَّيت عن العسكر .

بعد أن بلغ هند مقتل حمزة ( عليه السلام ) جاءت فَبَقَرَتْ كبدَهُ فَلاكَتْه ، فلم تستطع أن تَسِيغَه فَلَفِظَتْه .

ولما انتهت المعركة وُجد حمزة ( عليه السلام ) ببطن الوادي من الجبل وقد مُثِّل به .

وعندما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكى ثم قال : لن أُصاب بمثلك ، ما وقفتُ موقفاً قَطّ أَغْيَظُ عَليَّ من هذا الموقف ، وأمر ( صلى الله عليه وآله ) به فَدُفِن .

وكانت شهادته ( عليه السلام ) في السنة الثالثة للهجرة النبوية المشرِّفة ، وقد رثاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكلمات مؤثرة ، نذكر منها :

( يا عمَّ رسولِ الله ، وأسدَ الله ، وأسدَ رسولِ الله ، يا حمزةَ ، يا فاعل الخيراتِ ، يا حمزة ، يا كاشف الكُرُبَاتِ ، يا حمزة ، يا ذابّاً يا مَانِعاً عن وجه رسول الله .. ) .

حميدة المصفَّاة ( رضوان الله عليها ) أم الإمام الكاظم ( عليه السلام )

اسمها ولقبها :

قد اتفق المؤرخون وأصحاب السير على أن اسمها حميدة ، واختلفوا في ما لُقِّبت به .

فبعضهم لقبها بـ( المصفَّاة ) ، وآخرون بـ( البربرية ) ، وبـ( الأندلسية ) .

ففي عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) : وأمه – للإمام الكاظم ( عليه السلام ) – أم ولد يقال لها حميدة ، وهي أم أخويه إسحاق ومحمد ابنَي جعفر .

سيرتها :

كانت حميدة من التقيات ، الورعات ، الثُّقات ، العارفات ، حتى أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال في حقها : ( مصفاة من الأدناس ، كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أُدِّيَت إليَّ كرامة من الله والحجة من بعدي ) .

وفي عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( إن الإمام الصادق ( عليه السلام ) كان كلما أراد تقسيم حقوق أهل المدينة أعطاها لأمه أم فروة ، وزوجته حميدة المصفَّاة ) .

وهذا دليل واضح على وثاقتها ، واعتماد الإمام الصادق ( عليه السلام ) عليها.

زواجها من الإمام الصادق ( عليه السلام ) :

روى الأصحاب عدَّة روايات تتعلق بكيفية شرائها ، وزواجها من الإمام الصادق ( عليه السلام ) .

فروي عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) عندما دخلت عليه قال لها :

ما اسمك ؟

قالت : حميدة .

فقال : حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة ، أخبريني عنك أَبِكرٌ أَم ثَيِّبٌ ؟

فقالت : بِكرٌ .

قال : كيف ، ولا يقع في يد النخَّاسين شيء إلا أفسدوه !؟

قالت : كان يجيء فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة ، فيسلِّط الله عليه رجلاً أبيضَ الرأس واللحية ، فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني .. .

فقال : يا جعفر ، خذها إليك ، فولدت له خير أهل الأرض الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) .

وفاتها :

لم نعثر على تاريخ وفاتها ( رضوان الله عليها ) في كتب السير والتراجم ، إلا أن الثابت لدينا أنها عاصرت ثلاث أئمة من الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) .

وهم : الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، والإمام الصادق ( عليه السلام ) ، والإمام الكاظم ( عليه السلام ) .

وروت عن زوجها الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وكذلك عن الصحابي أبي بصير ( رضوان الله عليه ) .

خديجة بنت خويلد ( رضوان الله عليها ) زوجة النبي (صلى الله عليه وآله)

اسمها ونسبها :

اسمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العُزّى بن قصي القرشي الأسدية أم المؤمنين ، زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

زواجها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

كانت خديجة ذات شرف ومال كثير ، وتجارة بينها وبين أهل الشام ، وكانت تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة ، فلما شاع في مكة لقب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بـ ( الصادق الأمين ) أرسلت إليه خديجة ، فسألته الخروج إلى الشام في تجارتها ، فقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

فخرج إلى الشام فباع بضاعتها واشترى غيرها وعاد بها إلى مكة ، فربحت تلك البضاعة ربحاً وفيراً .

وقد شاء الله أن يتجه قلب خديجة نحو النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فعرضت عليه الزواج ، فقبل وتم زواجهما ، وعندها كان سن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خمس وعشرون سنة .

إسلامها :

لا شك أن أول امرأة آمنت بدين النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) هي خديجة ( رضوان الله عليها ) .

فقد ورد عن ابن عباس أنه قال : أول مَن آمن برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الرجال علي ( عليه السلام ) ومن النساء خديجة (رضوان الله عليها) .

صفاتها :

جاء في كتاب كشف الغمة أنه : كانت خديجة ( رضوان الله عليها ) امرأة حازمة لبيبة شريفة ومن أوسط قريش نسباً ، وأعظمهم شرفاً ، وأكثرهم مالاً ، وقد كانت آزرت زوجها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أيام المحنة فخفّف الله تعالى عنه بها .

وكان ( صلى الله عليه وآله ) لا يسمع شيئاً يكرهه من مشركي مكة من الرد والتكذيب إلا خففته عنه وهونته ، وبقيت هكذا تسانده حتى آخر لحظة من حياتها .

منزلتها :

لخديجة ( رضوان الله عليها ) منزلة عالية يغبطها عليها الملائكة المقربون ، حتى أن جبرئيل ( عليه السلام ) أتى إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أقرء خديجة من ربها السلام ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ياخديجة ، هذا جبرئيل يُقرئك من ربك السلام ، فقالت خديجة : الله السلام ومنه السلام وعلى جبرئيل السلام .

أما عن فضائلها فإن القلم ليعجز عن ذلك ، وكفانا في هذا المجال الحديث النبوي الشريف : ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بن خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون) .

دورها الرسالي :

يمكن تقسيم دورها في دعم الرسالة الإسلامية إلى قسمين :

الأول :

ويشمل موقفها من النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما نزل عليه الوحي وطلب منه أن يقرأ الأية الكريمة :

( إِقرَأ باِسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق )

، وأخبرها بذلك وقال لها : لقد خشيت على نفسي ، فقالت له : كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق .فقد آمنت به خديجة عندما كفر به الناس ، وصدقته عنما كذبه الناس .

الثاني :

ويشمل الدور الكبير الذي لعبته أموالها في دعم وإسناد الرسالة الإسلامية ، ولا يخفى ما للأموال من دور كبير في الوصول إلى أي هدف كان .

فقد أنفقت خديجة ( رضوان الله عليها ) أموالها في أيام تعرض المسلمون للاضطهاد والحصار الاقتصادي الذي فرضه مشركو مكة ، حتى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة ) .

وفاتها :

توفيت خديجة ( رضوان الله عليها ) في العاشر من شهر رمضان قبل الهجرة بثلاث سنين ، ودفنت في مكة بمقبرة الحجون .

الربَاب ( رضوان الله عليها ) بنت امرئ القيس زوجة الإمام الحسين ( عليه السلام )

إسمها ونسبها :

الرباب بنت امرئ القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن حليم بن خباب بن كلب الكلبية .

وهي زوجة سيد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

أخبارها :

كانت الرباب من خيار النساء جمالاً وأدباً وعقلاً ، وأسلم أبوها في خلافة عُمَر ، وكان نصرانياً من عرب الشام ، فَوَلاَّه عُمَر على قومه من قضاعة.

وما أمسى حتى خطب إليه الإمام علي ( عليه السلام ) ابنته [ ابنة امرئ القيس ] الربَاب لابنه الحسين ( عليه السلام ) فزوَّجه إياها .

فولدت الربَاب للحسين سُكينةَ ( عليها السلام ) عقيلة قريش ، وعبدَ الله ( عليه السلام ) الذي قُتِل يوم الطف وأمُّه تنظر إليه .

وأحبَّ الحسين ( عليه السلام ) زوجته الرباب حباً شديداً ، وكان معجباً بها ، وكان ( عليه السلام ) يقول فيها الشعر .

وما قاله فيها وفي ابنته سكينة :

لَعَمرِكَ إنَّني لأُحِبُّ دَاراً

تِحِلُّ بِها سُكينة والربَابُ

أُحبُّهُمَا وأبذل جُلَّ مَالِـي

وَليس لِلائِمِي فيها عِتابُ

وَلَستُ لَهُم وإن عَتَبُوا مُطِيعاً

حَياتِي أو يُعَلِّينِي الترَابُ

ولما استُشهد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في أرض كربلاء حزن عليه الربَاب حزناً شديداً ، حتى أنها أقامت على قبره سنة كاملة ثم انصرفت .

وفي تذكرة الخواص : أنها أخذت الرأس الشريف ووضعته في حجرها ، وقَبَّلَتْهُ وقالت :

وَاحُسَيناً فَلا نسيتُ حُسيناً

أَقْصَدَتْهُ أَسِنَّةُ الأعدَاءِ

غَادَرُوهُ بِكربلاءَ صَريعاً

لا سَقَى اللهُ جَانِبَيْ كَربلاءِ

وقالت في رثاء الحسين ( عليه السلام ) أيضاً :

إنَّ الذي كَان نوراً يُستَضَاءُ بِهِ

بِكَربلاءَ قتيلٌ غَير مَدفونِ

سِبطَ النَّبي جزاكَ اللهُ صالحةً

عَنَّا وجُنِّبتَ خُسرَانَ المَوازينِ

قَد كنتَ لِي جَبَلاً صعباً ألوذُ بِهِ

وكنتَ تَصحبُنَا بالرَّحمِ والدِّينِ

مَن لِليتَامَـى وَمَن للسَّائلينَ

يُغنِي ويُؤوِي إِليهِ كُلَّ مِسكينِ

واللهِ لا أبتغِي صِهراً بِصِهْرِكُمُ

حتَّى أُغَيَّبُ بين الرَّملِ والطينِ

وكان قد خطبها بعد استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) خلق كثير من الأشراف ، فقالت : ما كنت لأتخذ حَمْواً بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فو الله لا يؤويني ورجلاً بعد الحسين ( عليه السلام ) سقفٌّ أبداً .

وقال الشيخ المامقاني في كتابه ( تنقيح المقال ) : يُعتَمَدُ على روايتها غايةُ الاعتماد .

زيد بن الإمام زين العابدين ( عليه السلام )

ولادته :

وُلد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) بالمدينة المنوّرة ، بعد طلوع الفجر سنة ست وستين ، أو سبع وستين من الهجرة .

صفاته :

كان تام الخلق ، طويل القامة ، جميل المنظر ، أبيض اللون ، وسيم الوجه ، واسع العينَين ، مقرون الحاجبيَن ، كَثُّ اللحية ، عريض الصدر ، بعيدُ ما بين المنكبين ، دقيق المسربة ، واسع الجبهة ، أقنى الأنف ، أسود الرأس واللحية ، إلاّ أنّ الشيب خالط عارضَيه .

وكان الوابشي يقول : إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه .

علمه ومناظراته :

نشأ في حجر أبيه الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، وتخرّج على يده وعلى يد الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) ، ومنهم أخذ لطائف المعارف وأسرار الأحكام ، فأفحم العلماء وأكابر المناظرين من سائر الملل والأديان .

وكان عنده ما تحمله آباؤه الهداة من سرعة الجواب والوضوح في البيان ، ممزوجاً ببراعة في الخطاب ، فبلغ من ذلك كلّه مقاماً لم يترك لأحدٍ مُلتحَداً عن الإذعان له وبالنبوغ ، حتّى أنّك تجد المتنكبين عن خطّة آبائه ( عليهم السلام ) لم تدع لهم الحقيقة من ندحة عن الاعتراف بفضله الظاهر .

فهذا أبو حنيفة يقول : شاهدت زيد بن علي كما شاهدت أهله ، فما رأيت في زمانه أفقَه منه ولا أسرع جواباً ولا أبيَن قولاً .

وممّن عثرنا على كلامه من أصحابنا الإمامية كأبي إسحاق السبيعي ، والأعمش ، والشيخ المفيد ، وميرزا عبد الله ، المعروف بالأفندي ، وكذلك أبو الحسن العمري ، والسيّد علي خان ، والحر العاملي ، والمحدّث النوري وجدناه مصرّحاً بفضله في العلم وتبصُّره بالمناظرات .

وحدّث خالد بن صفوان قال : أتينا زيد بن علي ( عليه السلام ) وهو يومئذ بالرصافة ، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم ، وجاءوا برجل قد انقاد له أهل الشام في البلاغة والنظر في الحجج ، وكلَّمنا زيدَ بن علي ( عليه السلام ) في الجماعة وقلنا : إنّ الله مع الجماعة ، وإنّ أهل الجماعة حجّة الله على خلقه ، وإن أهل القِلّة هم أهل البدع والضلالة .

فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمّد وآله ، وتكلّم بكلام ما سمعتُ قرشياً ولا عربياً أبلغَ موعظةً ، ولا أظهر حُجّةً ، ولا أفصح لهجة منه .

ثمّ أخرج كتاباً قاله في الجماعة والقِلة ذكر فيه مِن كتاب الله ما يذم الكثير ويمدح القلّة ، وأنّ القليل في الطاعة هم أهل الجماعة ، والكثير في المعصية هم أهل البدع ، فأُفحم الشاميُّ وانخذل الشاميون فما أجابوا بقليل ولا كثير ، وخرجوا من عنده صاغرين منكِّسين رؤوسهم حياء وخجلاً .

ثمّ أقبلوا على صاحبهم يعذلونه ويقولون : زعمتَ أنّك لا تدع له حُجةً إلاّ رددتَها وكسرتها ، حتّى إذا تكلّم خرست ، فما تنطق بقليل ولا بكثير .

فقال : وَيلَكم ، كيف أكلّم رجلاً حاججني بكتاب الله ، أفأستطيع أن أرد كلام الله تعالى ؟! فكان خالد بن صفّوان يقول بعد ذلك : ما رأيت رجلاً في الدنيا قرشياً ولا عربياً يزيد في العقل والحجج على زيد بن علي ( عليه السلام ) .

مؤلفاته :

له مؤلّفات كثيرة ، نذكر منها :

1ـ المجموع الفقهي .

2ـ المجموع الحديثي .

3ـ تفسير غريب القرآن .

4ـ إثبات الوصية .

5ـ قراءة جدّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

6ـ كتاب ( مدح القلة وذم الكثرة ) .

7ـ منسك الحج .

مدرسته :

يظهر لكل من نظر في جوامع الأحاديث مقاصد زيد السامية ، وغاياته الشريفة في نشر ما تحمله عن آبائه الهداة من الفضائل والمواعظ والأحكام .

فإنّه لا يريد بكل ذلك إلاّ إلقاء التعاليم الدينية والأخلاقية ، وإصلاح أمّة جدّه ( صلى الله عليه وآله ) بتهذيب أخلاقها ، وإرشادها إلى نهج الحق ، واستضاءتها بنور ذلك الدين الحنيف .

ومن هنا كان مصدراً لجمع كبير من حملة الآثار وعليه مُعولهم ، لما عرفوا منه غزارة في العلم والنزاهة .

إنّ أبا حنيفة أخذ العلم والطريقة من الإمام الباقر والإمام الصادق ( عليهما السلام ) ، ومن عمّه زيد بن علي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، وتتلمذ على زيد مدّة سنتَين ، ولم يمنعه من التجاهر بذلك إلاّ سلطان بني أمية .

زهده وعبادته :

كان زيد بن علي ( عليه السلام ) يصلّي الفريضة ، ثمّ يصلّي ما شاء الله ، ثمّ يقوم على قدمَيه يدعو الله إلى الفجر يتضرّع له ، ويبكي بدموعٍ جارية حتّى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر قام وصلّى الفريضة ، ثمّ جلس للتعقيب إلى أن يتعالى النهار .

ثمّ يقوم في حاجته ساعة ، فإذا كان قرب الزوال قعد في مُصَلاَّه سبح الله ومجدّه إلى وقت الصلاة ، وقام فصلّى الأولى وجلس هنيئة ، وصلّى العصر وقعد في تعقيبه ساعة ، ثمّ سجد سجدة ، فإذا غابت الشمس صلّى المغرب والعتمة ، وكان يصوم في السنة ثلاثة أشهر .

خُطبه :

كان زيد معروفاً بفصاحة المنطق وجزالة القول ، والسرعة في الجواب وحسن المحاضرة ، والوضوح في البيان والإيجاز في تأدية المعاني على أبلغ وجه .

وكان كلامه يشبه كلام جدّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بلاغةً وفصاحة ، فلا بِدعَ إِذاً إن عَدَّهُ الجاحظ من خطباء بني هاشم ، ووصفه أبو إسحاق السبيعي والأعمش بأنّه أفصح أهل بيته لِساناً ، وأكثرهم بياناً .

ويشهد له أنّ هشام بن عبد الملك لم يزل منذ دخل زيد الكوفة يبعث الكتاب أثر الكتاب إلى عامل العراق ، يأمره بإخراج زيد من الكوفة ، ومنع الناس من حضور مجلسه ، لأنّه الجذّاب للقلوب بعِلمه الجم وبيانه السهل ، وأنّ له لساناً أقطع من السيف ، وأبلغ من السحر والكهانة .

البراءة من دعوى الإمامة :

من الجلي الواضح بُطلان نسبة دعوى الإمامة لتلك النفس المقدّسة والذات الطاهرة ، وكيف نستطيع أن ننسب له ذلك ونحن نقرأ جوابه لولده يحيى حينما سأله عن الأئمّة الذين يلون الخلافة ، وعليهم النص من النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

فإنّ فيه صراحة بالبراءة من دعوى الإمامة ، واعتراف باستحقاق الإثني عشر من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) للخلافة .

وهذا نص الحديث الذي يحدّثنا عنه الحافظ علي بن محمّد الخزّاز الرازي القمّي في كفاية الأثر ، بإسناده إلى يحيى بن زيد قال : سألت أبي عن الأئمّة ( عليهم السلام ) فقال : الأئمّة اثنا عشر أربعة من الماضين ، وثمانية من الباقين .

قلت : فسمِّهم يا أبت ، قال : أمّا الماضون فعلي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ( عليهم السلام ) ، وأمّا الباقون فأخي الباقر ، وابنه جعفر الصادق ، وبعده موسى ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده محمّد ابنه ، وبعده علي ابنه ، وبعده الحسن ابنه ، وبعده المهدي .

فقلت : يا أبتِ أَلَستَ منهم ؟ قال : لا ، ولكن من العترة ، قلت : فمن أين عرفت أسماءهم ؟ قال : عهد معهود عهده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

ثورته :

إنّ السياسة الظالمة التي انتهجها الحكّام الأمويون ، وبالخصوص هشام بن عبد الملك كانت من أسباب ثورة زيد ، فالحكّام كانوا قد فرضوا ضرائب إضافية كالرسوم على الصناعات والحرف ، وعلى من يتزوّج ، أو يكتب عرضاً .

وقاموا بإرجاع الضرائب الساسانية ، التي تُسمى هدايا النيروز ، وكانوا في بعض الأحيان يتركون للولاة جميع ما تحت أيديهم من الأموال التي يجمعونها من الضرائب وغيرها ، وعلى سبيل المثال ترك الخليفة لواليه على خراسان مبلغ عشرين مليون درهم ، وضمّها الوالي لأمواله الخاصّة ، وأخذ يتصرّف بها كيف يشاء ، وهي من أموال المسلمين .

هذه صورة مصغّرة عن الوضع الاقتصادي المتدهور ، وسوء توزيع الثروة المخالف لمبادئ الإسلام وقوانينه ، بالإضافة إلى الظلم السياسي والقتل والإرهاب .

كُل ذلك دعا زيد إلى الثورة ضد هشام بن عبد الملك ، واختار الكوفة منطلقاً لثورته ودعا المسلمين لمبايعته ، فأقبلت عليه الشيعة وغيرها تبايعه حتّى بلغ عددهم من الكوفة فقط خمسة عشر ألف رجلاً .

علّق الكثير آمالهم على ثورة زيد ( رضوان الله عليه ) ، وكانوا يلحون عليه بالإسراع في ذلك ، ولكنّه لم يعلن الثورة من أجل أن يتولّى الخلافة والإمامة بنفسه ، لأنّه كان يعرف إمامه ، بل كان يدعو إلى الرضى من آل محمّد ( عليهم السلام ) ، طالباً الإصلاح في أمّة جدّه التي أذاقها الأمويون الظلم والجور .

شهادته :

ثار زيد مؤدّياً تكليفه الشرعي ، واستشهد في سبيل ذلك بالكوفة في اليوم الثالث من صفر 121 هـ ، وأمر الخليفة هشام بإخراج جثّته من قبره وصلبه عرياناً .

فكانت شهادته والتمثيل به حدثاً مروّعاً هز وجدان الأمّة الإسلامية ، وأذكى فيها روح الثورة ، وعجّل سقوط الحكم الأموي ، إذ لم يمضي على استشهاده أكثر من أحد عشر عامّاً مليئاً بالثورات والأحداث والانتفاضات حتّى انهار الحكم الأموي وولّى إلى الأبد .

روى جابر بن عبد الله بخصوص زيد الشهيد عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للحسين ( عليه السلام ) : (يخرج رجل من صلبك يقال له زيد ، يتخطّى وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غُراً محجلين ، يدخلون الجنّة بغير حساب ) .

فسلام عليه يوم استشهد ويوم يبعث حيّاً ، وهنيئاً له الجنّة مع الشهداء والأنبياء والصالحين .

السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين (عليهما السلام)

اسمها ونسبها :

زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة ( عليها السلام ) بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

ولادتها :

ولدت بالمدينة المنوّرة في الخامس من جمادى الأوّل عام 5 هـ .

ولمّا ولدت ( عليها السلام ) جاءت بها أمّها الزهراء ( عليها السلام ) إلى أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقالت : ( سمّ هذه المولودة ) .

فقال : ( ما كنت لأسبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) ، وكان في سفر له ، ولمّا جاء وسأله علي ( عليه السلام ) عن اسمها .

فقال : ( ما كنت لأسبق ربّي تعالى ) ، فهبط جبرائيل ( عليه السلام ) يقرأ السلام من الله الجليل ، وقال له : ( سمّ هذه المولودة : زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم ) .

ثمّ أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : ( من بكى على مصائب هذه البنت ، كان كمن بكى على أخويها : الحسن والحسين ) .

سيرتها وفضائلها :

كانت ( عليها السلام ) عالمة غير معَلّمة ، وفهِمة غير مفهمة ، عاقلة لبيبة ، جزلة ، وكانت في فصاحتها وزهدها وعبادتها كأبيها أمير المؤمنين وأمّها الزهراء ( عليهما السلام ) .

اتّصفت ( عليها السلام ) بمحاسن كثيرة ، وأوصاف جليلة ، وخصال حميدة ، وشيم سعيدة ، ومفاخر بارزة ، وفضائل طاهرة .

حدّثت عن أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وكذلك عن أسماء بنت عميس ، كما روى عنها محمّد بن عمرو ، وعطاء بن السائب ، وفاطمة بنت الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعَبَّاد العامري .

عُرفت زينب ( عليها السلام ) بكثرة التهجّد ، شأنها في ذلك شأن جدّها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وأهل البيت ( عليهم السلام ) .

وروي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قوله : ( ما رأيت عمّتي تصلّي الليل عن جلوس إلاّ ليلة الحادي عشر ) ، أي أنّها ما تركت تهجّدها وعبادتها المستحبّة حتّى تلك الليلة الحزينة ، بحيث أنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) عندما ودّع عياله وداعه الأخير يوم عاشوراء قال لها : ( يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل ) .

وذكر بعض أهل السِيَر : أنّ زينب ( عليها السلام ) كان لها مجلس خاص لتفسير القرآن الكريم تحضره النساء ، وأنّ دعاءها كان مستجاباً .

أم المصائب :

سُمّيت أم المصائب ، وحق لها أن تسمّى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وشهادة أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وشهادة أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وشهادة أخيها الحسن ( عليه السلام ) ، وأخيراً المصيبة العظمى ، وهي شهادة أخيها الحسين ( عليه السلام ) ، في واقعة الطف مع باقي الشهداء ( رضوان الله عليهم ) .

أخبارها في كربلاء :

كان لها ( عليها السلام ) في واقعة كربلاء المكان البارز في جميع المواطن ، فهي التي كانت تشفي العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين ( عليه السلام ) ساعةً فساعة ، وتخاطبه وتسأله عند كل حادث ، وهي التي كانت تدبّر أمر العيال والأطفال ، وتقوم في ذلك مقام الرجال .

والذي يلفت النظر أنّها في ذلك الوقت كانت متزوّجة بعبد الله بن جعفر ، فاختارت صحبة أخيها على البقاء عند زوجها ، وزوجها راضٍ بذلك ، وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ، فمن كان لها أخ مثل الحسين ( عليه السلام ) ، وهي بهذا الكمال الفائق ، فلا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها .

وروي أنّه لمّا كان اليوم الحادي عشر من المحرّم ، بعد مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) حمل عمر بن سعد النساء ، فمرّوا بهنّ على مصرع الحسين ( عليه السلام ) فندبت زينب ( عليها السلام ) أخاها وهي تقول : ( بأبي مَن فسطاطه مقطع العُرى ، بأبي مَن لا غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيُداوى ، بأبي مَن نفسي له الفدا ، بأبي المهموم حتّى قضى ، بأبي العطشان حتّى مضى ، بأبي مَن شيبته تقطر بالدما ، بأبي مَن جدّه رسول إله السما ، بأبي مَن هو سبط نبي الهدى ) .

أخبارها في الكوفة :

لمّا جيء بسبايا أهل البيت ( عليهم السلام ) إلى الكوفة بعد واقعة الطف ، أخذ أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فقال بشر بن خزيم الأسدي : ونظرتُ إلى زينب بنت علي ( عليهما السلام ) يومئذ ، فلم أرَ خَفِرة ( عفيفة ) أنطق منها ، كأنّها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا فارتدتْ الأنفاس ، وسكنتْ الأجراس ، ثمّ قالت :

( الحمد الله والصلاة على محمّد وآله الطاهرين ، يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر ، أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا قطعت الرنة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة ، أنكاثاً تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف النطف … ) إلى آخر الخطبة الشريفة ، وهي معروفة .

أخبارها في الشام :

أرسل عبيد الله بن زياد والي الكوفة السيّدة زينب ( عليها السلام ) مع سبايا آل البيت ( عليهم السلام ) ـ بناءً على طلب يزيد ـ ومعهم رأس الحسين ( عليه السلام ) وباقي الرؤوس إلى الشام ، فعندما دخلوا على يزيد دعا برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يديه ، فلمّا رأت زينب ( عليها السلام ) الرأس الشريف بين يديه صاحت بصوت حزين يقرح القلوب : ( يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا ابن فاطمة الزهراء ) ، فأبكت جميع الحاضرين في المجلس ويزيد ساكت .

وروي أنّ يزيد عندما أخذ ينكث ثنايا الإمام الحسين ( عليه السلام ) بقضيب خيزران ، قامت ( عليها السلام ) له في ذلك المجلس ، وخطبت قائلة :

( الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين : أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء ، إن بنا هواناً على الله ، وبك عليه كرامة ، وإنّ ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً ، أمِنَ العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سبايا ، قد هَتكتَ ستورهنّ ، وأبدَيتَ وجُوههُن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ) .

وفاتها :

توفّيت أم المصائب زينب ( عليها السلام ) في الخامس عشر من شهر رجب عام 62 هـ ، واختُلِفَ في محل دفنها ، فمنهم من قال : في مصر ، ومنهم من قال : في الشام ، ومنهم من قال : في المدينة .

سكينة بنت الإمام الحسين ( عليهما السلام )

اسمها ولقبها :

هي سُكينة بنت الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأمها الرباب بنت إمرئ القيس .

سيرتها وأخبارها :

روي أن لها السيرة الجميلة والعقل التام ، وكانت على منزلة كبيرة من الجمال والأدب والكرم والسخاء الوافر ، وروى العلامة المجلسي في مساعدتها للفقراء :

أراد علي بن الحسين ( عليهما السلام ) الحج فأنفذت إليه أخته سكينة بنت الحسين (عليهما السلام) ألف درهم فلحقوه بها بظهر الحرّة ، فلما نزل فرقها على المساكين .

وحضرت سكينة واقعة الطف مع أبيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) وشاهدت مصرعه ، واعتنقت جسد أبيها بعد قتله .

وأخذت مع الأسرى والسبايا ورؤوس الشهداء إلى الكوفة ثم إلى الشام ، بعدها عادت مع أخيها الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) إلى المدينة .

وروي أن يزيد بن معاوية لما أدخل عليه نساء أهل البيت ( عليهم السلام ) قال للرباب

( أم سكينة ) : أنت التي كان يقول فيك الحسين وفي ابنتك سكينة :

( لعمرك انني لأحب داراً . . . . تكون بها سكينة والرباب ) ؟ ، فقالت : نعم .

والظاهر من الشعر أنه ( عليه السلام ) كان يحبها حباً شديداً .

وفاتها :

توفيت سكينة ( عليها السلام ) في الخامس من ربيع الأول سنة ( 117 هـ ) في المدينة المنورة أيام حكم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك .

صفية بنت عبد المطلب ( رضوان الله عليها ) عمَّة النبي ( صلى الله عليه وآله )

إسمها ونسبها :

صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشية .

ولادتها :

لم نعثر على تاريخ محدد لولادتها ، لكنه إذا استندنا إلى تاريخ وفاتها حيث ذُكر أن عمرها عند وفاتها كان ثلاثة وسبعون عاماً ، فتكون ولادتها قبل الهجرة بثلاث وخمسين سنة .

سيرتها :

كانت صفية بنت عبد المطلب من أشجع النساء ، وقد سجَّلت موقفاً شجاعاً يوم أُحُد عندما قتلت يهودياً جاء ليتجسس على المسلمين ، لأن حسَّان بن ثابت جبُن عن قتله .

ولم تكتفِ بذلك بل أخذت تعنِّف الفارِّين عن المعركة ، وتقدمت تقاتل الأعداء برمحها .

أما عن صبرها عند الشدائد ، فقد روي أنها عندما جاءها خبر مقتل أخيها حمزة في معركة أُحُد قالت : إن ذلك في الله قليل ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، لأحتَسِبَنَّ ، ولأصبِرَنَّ .

وجاءت إلى أخيها ، فصلَّت عليه وقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) به ( رضوان الله عليه ) فدُفن .

شعرها :

كانت من أهل الأدب والشعر والفصاحة ، ولها شعر جيد ، ونذكر لها هذه الأبيات في رثاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) :

يا عينُ جُودي بدمعٍ منكِ مُنحَدِرِ

ولا تَمُلِّي وابكِي سيِّد البَشَرِ

اِبكِي الرَّسُولَ فقد هَدَّت مُصيبتُهُ

جَميعَ قومي وأهل البَدْوِ والحَضَرِ

وَلا تَمُلِّي بُكاكِ الدَّهر مُعوِلَةً

عليه ما غرَّد القمري في السَّحَرِ

وفاتها :

توفيت ( رضوان الله عليها ) سنة ( 20 هـ ) ولها من العمر ( 73 ) سنة ، ودُفنت في مقبرة البقيع .

عاتكة بنت عبد المطلب ( رضوان الله عليها) عمَّة النبي ( صلى الله عليه وآله )

إسمها ونسبها :

عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشية .

إسلامها :

اختلف المؤرخون في إسلام عاتكة ، إلا أن ابن سعد في طبقاته يقول : أسلمت في مكة وهاجرت إلى المدينة .

أخبارها :

هاجرت عاتكة بنت عبد المطلب بعد إسلامها من مكة إلى المدينة المنورة ، وكانت قد تزوجت في الجاهلية من أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، فولدت له عبد الله ، وزهير ، وبنتاً اسمها : قريبة .

وروي أنها قبل معركة بدر رأت في منامها رؤيا ، مفادها :

أنها رأت راكباً أخذ صخرة من جبل أبي قبيس ، فرمى بها ركن الكعبة ، فتغلقت الصخرة ، فما بقيت دار من دور قريش إلا دخلتها منها كسرة غير دار بني زهرة .

وبالفعل صدَّق الله سبحانه وتعالى رؤياها ، إذ وقعت معركة بدر وأصاب قريش ما أصابها من اندحار وخسران أمام جيش المسلمين .

وفاتها :

لم نعثر على تاريخ وفاتها .

العباس بن الإمام أمير المؤمنين ( عليهما السلام )

اسمه ونسبه :

العباس بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، أمه فاطمة العامرية الكلابية ، وتُعرَف بأمِّ البَنين ( عليها السلام ) .

ولادته :

ولد ( عليه السلام ) سنة ( 26 هـ ) .

كنيته ولقبه :

يُكنَّى ( أبو الفَضل ) ، ويلقَّب بـ( السقَّاء ) ، و( قَمَر بني هاشم ) ، و( باب الحوائج ) ، و( سَبْعُ القَنْطَرة ) ، و( كَافِل زَينب ) ، و( بَطَل الشريعة ) .

خصاله الحميدة وشجاعته :

في مقاتل الطالبيِّين : كان العبَّاس رَجُلاً ، وَسيماً ، يركب الفرس المطهَّم ، ورجلاه تخطَّان في الأرض .

وفي بعض العبارات : إنَّه كانَ شُجاعاً ، فارساً ، وسيماً ، جسيماً .

وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : ( كَانَ عَمُّنا العبَّاس بن عليٍّ نافذ البصيرة ، صَلب الإيمان ، جاهد مع أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، وأبلى بلاءً حسناً ، ومضى شهيداً ) .

وقد كان صاحب لِوَاء الحسين ( عليه السلام ) ، واللِّواء هو العَلَم الأكبر ، ولا يحمله إلاَّ الشجاع الشريف في المعسكر .

ولمَّا جمع الإمام الحسين ( عليه السلام ) أهلَ بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرَّم ، وخطبهم ، فقال في خطبته :

( أمَّا بعد ، فإنِّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرُّ ولا أوصل من أهل بيتي ، وهذا الليل قد غشيكم ، فاتَّخِذوه جملاً .

وليأخذ كلُّ واحدٍ منكم بيدِ رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرَّقوا في سواد هذا الليل ، وذَرُوني وهؤلاء القوم ، فإنَّهم لا يريدون غيري ) .

فقام إليه العباس ( عليه السلام ) فبدأهم ، فقال : ( ولِمَ نفعل ذلك ؟! لنبقى بعدك ؟! لا أرانا الله ذلك أبداً ) .

ثمّ تكلَّم أهل بيته وأصحابه بمثل هذا ونحوه .

ولمَّا أخذ عبد الله بن حزام ابن خال العباس ( عليه السلام ) أماناً من ابن زياد للعباس وأخوته من أمِّه ، قال العباس وأخوته : ( لا حاجة لنا في الأمان ، أمانُ الله خير من أمان ابن سميَّة ) .

ولمَّا نادى شِمر : أين بنو أختنا ؟ أين العباس وأخوته ؟ فلم يجبه أحد .

فقال الحسين ( عليه السلام ) : ( أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنَّه بعض أخوالكم ) .

فقال له العباس ( عليه السلام ) : ( ماذا تريد ؟ ) .

فقال : أنتم يا بني أختي آمنون .

فقال له العباس ( عليه السلام ) : ( لَعَنَك الله ، ولعن أمانك ، أتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له ؟! ) .

وتكلَّم أخوته بنحو كلامه ، ثمَّ رجعوا .

مواقفه البطوليَّة في واقعة الطفِّ :

لمَّا اشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ( رضوان الله عليهم ) ، أمر أخاه العباس ( عليه السلام ) ، فسار في عشرين راجلاً يحملون القرب ، فحمل وأصحابه على جيش عمر بن سعد ، فكشفوهم وأقبلوا بالماء .

فعاد جيش عمر بن سعد بقيادة عمرو بن الحجَّاج ، وأرادوا أن يقطعوا عليهم الطريق ، فقاتلهم العباس وأصحابه حتى ردُّوهم ، وجاءوا بالماء إلى الحسين ( عليه السلام ) .

ولمَّا نَشَبت الحرب يوم عاشوراء تقدَّم أربعة من أصحاب الحسين ( عليه السلام ) ، وهم الذين جاءوا من الكوفة ، ومعهم فرس نافع بن هلال .

فشدُّوا على الناس بأسيافهم ، فلمَّا وغلوا فيها عطف عليهم الناس ، واقتطعوهم عن أصحابهم ، فندب الحسين ( عليه السلام ) لهم أخاه العباس ، فحمل على القوم ، فضرب فيهم بسيفه حتى فرَّقهم عن أصحابه .

ثم وصل إليهم فسلَّموا عليه ، وأتى بهم ، ولكنَّهم كانوا جرحى ، فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين .

فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم ، حتى قتلوا في مكان واحد ، فعاد العباس إلى أخيه وأخبره بخبرهم .

ولما اشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) وأهل بيته وأصحابه ( رضوان الله عليهم ) يوم العاشر من المحرَّم ، وسمع عويل النساء والأطفال يشكون العطش ، طلب العباس ( عليه السلام ) من أخيه الحسين ( عليه السلام ) السماح له بالبراز لجلب الماء .

فأذن له الحسين ( عليه السلام ) ، فحمل على القوم ، فأحاطوا به من كلِّ جانب ، فقتل وجرح عدداً كبيراً منهم ، وكشفهم وهو يقول :

لا أرهبُ الموتَ إذا الموتُ رَقَا

حتى أواري في المصَاليتِ لُقَى

نفسي لنفسِ المُصطَفَى الطُّهر وَقَا

إنِّي أنا العبَّاس أغدو بالسقَا

ولا أخافُ الشرَّ يوم المُلتَقَى

ووصل إلى ماء الفرات ، فغرف منه غرفة ليطفئ لَظَى عطشه ، فتذكَّر عطش الحسين ( عليه السلام ) ، ورمى بالماء وهو يرتجز ويقول :

يَا نفسُ مِن بعد الحُسين هوني

مِن بعدِهِ لا كُنتِ أن تَكُوني

هَذا الحسينُ وَارِدَ المَنونِ

وتشرَبينَ بَاردَ المَعينِ

تاللهِ مَا هَذي فِعَال دِيني

فملأ القربة وعاد فحمل على القوم ، وقتل وجرح عدداً منهم ، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة ، وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي ، فضربه على يمينه ، فقطعها ، فأخذ ( عليه السلام ) السيف بشماله ، وحمل وهو يرتجز :

واللهِ إنْ قَطعتُمُ يَميني

إنِّي أُحَامي أبداً عن ديني

وعَن إمامٍ صَادِقِ اليقين

نَجلُ النبيِّ الطاهِرِ الأمينِ

فقاتل ( عليه السلام ) حتى ضعف ، فكمن له الحَكَم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة ، فضربه على شماله فقطعها ، فقال ( عليه السلام ) :

يا نفسُ لا تَخشي مِن الكُفَّارِ

وأبشِري بِرَحمة الجَبَّارِ

مَعَ النَّبيِّ السيِّد المختار

قَد قطعوا بِبَغيِهم يَساري

فأصْلِهِم يَا ربِّ حَرَّ النَّارِ

فأخذ القربة بِفَمِه ، وبينما هو جاهد أن يوصلها إلى المخيَّم ، إذ صُوِّب نحوه سهمان ، أحدهما أصابَ عينه الشريفة ، فَسالَت ونبت السهم فيها .

وأمَّا الآخر فقد أصاب القِربة فَأُرِيق ماؤها ، وعندها انقطع أمله من إيصال الماء ، فحاول أن يخرج السهم الذي في عينه ، فضربه ملعونٌ بعَمَود من حديد على رأسه فقتله .

فلمَّا رآه الحسين ( عليه السلام ) صريعاً على شاطئ الفرات ، بكى وأنشأ يقول :

تعدَّيتُمُ يا شرَّ قومٍ ببغيكم

وخالفتُمُ دِينَ النبيِّ محمَّدِ

أما كانَ خير الرسْل أوصَاكُم بِنا

أمَا نَحنُ مِن نجلِ النبيِّ المُسدَّدِ

أما كانت الزهراء أمِّي دونكم

أمَا كَان مِن خيرِ البريَّة أحمَدِ

لُعِنْتم وأُخزِيتُم بما قد جَنَيتُمُ

فَسوفَ تُلاقوا حَرَّ نَارٍ تُوقَّدِ

وقد قال الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، حين قتل أخوه العباس ( عليه السلام ) : ( الآن اِنكَسَرَ ظَهرِي ، وقَلَّتْ حِيلَتي ) .

فمضى أبو الفضل العباس وأخوته من أمِّه ، شهداء يذبُّون عن حرم الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وحرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ضاربين أروع أمثلة الشرف ، والعِزَّة ، والكَرَامة ، والإباء ، والمواساة ، والإيثار ، والوفاء .

وأما أمُّه أم البنين ( سلام الله عليها ) فقد قالت فيهم :

يَا مَنْ رأى العبَّاسُ كَــرَّ

عَلى جماهير النقدْ

وَوَراه منْ أبناءِ حَيـ

ـدرَ كلّ لَيثٍ ذي لبدْ

أُنبِئْتُ أنَّ ابني أصيــبَ

بِرأسِه مَقطُوع يَدْ

وَيْلي على شِبلي أمَال

بِرأسِهِ ضَرب العَمَدْ

لَو كَان سَيفُك في يديـكَ

لما دَنا مِنكَ أحَدْ

وقالت ( سلام الله عليها ) أيضاً :

لا تَدعُوَنِّي وَيكِ أمَّ البنين

تُذكِّريني بِلِيوثِ العَرينْ

كَانت بَنونٌ ليَ أُدعَى بهم

واليومُ أصبحتُ ولا مِنْ بَنينْ

أربَعةٌ مِثل نُسور الرّبَى

قَد واصَلُوا الموتَ بِقَطعِ الوَتينْ

تنازع الخِرصان أشلاءهم

فَكُلّهم أمسَى صَريعاً طَعِينْ

يَا لَيتَ شِعري أَكمَا أخَبَروا

بأنَّ عَبَّاساً قَطيعُ اليَمينْ

فسلامٌ عليك يا أبا الفضل العباس ، وعلى أخوتك : عبد الله ، وجعفر ، وعثمان ، يوم وُلِدتُم ، ويوم استَشهَدْتُم ، مظلومِينَ محتسبين ، ويوم تُبعَثون أحياءً في جنَّة الخلد والرضوان .

العباس بن عبد المطلب ( رضوان الله عليه ) عم النبي ( صلى الله عليه وآله )

نسبه وولادته :

العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مره ، كنيته أبو الفضل ، ولد في مكة قبل عام الفيل بثلاثين سنة .

كانت أمّه نفيلة بنت خباب أول عربية كست البيت الحرير والديباج ، وذلك أنَّ العباس فُقد وهو صغير ، فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت .

مكانته ومواقفه :

كان رئيساً في قريش أيام الجاهلية ، وإليه ترجع عمارة المسجد الحرام ، حضر بيعة العقبة الثانية مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يسلم .

شهد بدراً مع المشركين مكرهاً ، فأُسّر ، وافتدى نفسه .

رجع إلى مكة بعد أن أسلم ، وكتم إسلامه ، وصار يكتب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأخبار قريش .

هاجر إلى المدينة المنورة قبل الفتح بقليل وشهد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فتح مكة ، وحنين ، وكان في حنين آخذاً بلجام بغلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

أنكر على عمر بن الخطاب توليه الخلافـة ، وأعلن استعداده لمبايعة أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام ) ، كان من الذين صلّوا على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) .

أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حقّه :

1ـ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفأ ، وأوصلها ، وهو بقية آبائي ) .

2ـ وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ( من آذى العباس فقد آذاني ، فإنَّما عمّ الرجل صنو أبيه ) .

وفاته :

أصيب في أواخر حياته بالعمى ، وتوفي في اليوم الأول من رمضان سنة 32 هـ ، وتولى تغسيله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وابنه عبد الله ودفن في مقبرة البقيع .

عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ( رضوان الله عليه ) ابن أخ الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

عبد الله ، بن جعفر ، بن أبي طالب ، بن عبد المطلب ، بن هاشم القرشي ، أمُّه أسماء ، بنت عُمَيس الخَثعمية ، وكُنيَتُه ( أبو جعفر ) .

ولادته ونشأته :

وُلِد في ( الحبشة ) ، في الهجرة الأولى للمسلمين ، وهو أول مولود وُلِد للمسلمين في أرض ( الحبشة ) ، إذ كان أبواه مهاجرين فيها .

وقدم مع أبيه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في السنة السابعة من الهجرة ، وسكن ( المدينة ) ، وبايع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونشأ في حجره .

جوانب من حياته :

استشهد أبوه جعفر في معركة ( مُؤْتَة ) سنة ( 8 هـ ) ، فتكفّله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعندما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان له من العمر عشر سنين .

فلازم عَمُّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وكان منقطعاً إليه .

وخرج مع الإمام علي ( عليه السلام ) والحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، وغيرهم من المؤمنين ، في توديع أبي ذر الغفاري ، عندما نَفَاه عُثمان إلى ( الربذة ) .

وَزوَّجه أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) ابنتَه زينب الكبرى ، عقيلة بني هاشم ، وعَمل كاتباً عند الإمام علي ( عليه السلام ) أيام خلافته .

كما اشترك مع الإمام علي ( عليه السلام ) في معارك ( الجمل ، وصِفِّين ، والنَّهروان ) ، وكان أحد أُمَراء الجيش في تلك المعارك .

وكذلك اشترك مع الإمامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، في تغسيل الإمام علي ( عليه السلام ) بعد استشهاده .

وقد كانت له مع معاوية بن أبي سفيان مواقف كثيرة .

وقام أيضاً بملازمة الإمامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، بعد وفاة أبيهما أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، واقتدى بهما .

وأمر ابْنَيه ( عَوناً ) و( محمَّداً ) بالمَسِير مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى ( كربلاء ) ، وتخلَّف عنه بسبب ذِهاب بَصَره .

ولما بَلَغَهُ مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، ومقتل ولديه ( عَون ) و( محمَّد ) معه ، حَزنَ حزناً شديداً ، وقال : إلاَّ تَكُن آسَتْ حسيناً يدي ، فقد آساه ولدي .

مكانته :

قال العلامة الحلي : عبد الله بن جعفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كان جليلاً .

قال ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) : إنَّ عبد الله بن جعفر كريماً ، جواداً ، ظريفاً ، خليقاً ، سخيّاً ، يُسمى ( بحر الجُود ) ، ويُقال : إنَّه لـم يكن في الإسلام أسخى منه .

وفاته :

توفي ( رضوان الله عليه ) في المدينة ، وكان عُمره قد ناهز التسعين عاماً ، ودفن ( رضوان الله عليه ) في مقبرة البقيع .

عبد الله بن العباس ( رضوان الله عليه ) ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله )

اسمه ونسبه :

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، أبو العباس القرشي الهاشمي .

ولادته :

وُلِدَ ( رضوان الله عليه ) بمكَّة ، في الشعب ، قبل الهجرة بثلاث سنين‏ ، وذهب إلى المدينة سنة ( 8 هـ ) ، عام الفتح‏ .

أخباره :

هو حَبْر الأُمّة ، وفقيه العصر ، وإمام التفسير ، تلميذ الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، صحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحواً من ثلاثين شهراً ، وحدَّث ( رضوان الله عليه ) عنه ( صلى الله عليه وآله ) وعن علي ( عليه السلام ) .

وكان عمر يستشيره في أيَّام خلافته ، وعندما ثار الناس على عثمان ، كان مندوبه في الحج .

ولمَّا آلت الخلافة إلى الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) كان صاحبه ، ونصيره ، ومستشاره ، وأحد ولاته وأمرائه العسكريِّين ، وكان على مقدَّمة الجيش في معركة الجمل ، ثمَّ ولي البصرة بعدها .

وقبل أن تبدأ حرب صفين ، استخلفَ ابن عباس أبا الأسود الدُّؤَلي على البصرة ، وتوجَّه مع الإمام علي ( عليه السلام ) لحرب معاوية .

وكان أحد أمراء الجيش في الأيام السبعة الأولى من الحرب ، كما أنه لازم الإمام ( عليه السلام ) بثباتٍ على طول الحرب .

واختاره الإمام ( عليه السلام ) ممثِّلاً عنه في التحكيم ، بَيْدَ أنَّ الخوارج والأشعث عارضوا ذلك قائلين : لا فرق بينه وبين علي .

حاورَ الخوارج مندوباً عن الإمام ( عليه السلام ) في النهرَوَان مراراً ، وأظهر في مناظراته الواعية عدمَ استقامتهم ، وتزعزع موقفهم ، كما أبان منزلة الإمام الرفيعة السامية .

كما بايع الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، وتوجّه إلى البصرة من قِبَله‏ .

ولم يشترك مع الإمام الحسين‏ ( عليه السلام ) في كربلاء ، وعلَّلَ البعضُ ذلك بعَمَاه .

لم يبايع ( رضوان الله عليه ) عبدَ الله بن الزبير حين استولى على الحجاز والبصرة والعراق ، تضامُناً مع محمدٍ بن الحنفية ، فكَبُرَ ذلك على ابن الزبير ، حتى هَمَّ بإحراقهما .

وكان ابن عباس ( رضوان الله عليه ) عالماً ، له منزلته الرفيعة العالية في التفسير ، والحديث ، والفقه ، وكان تلميذ الإمام ( عليه السلام ) في العلم ،‏ مفتخراً بذلكَ أعظم افتخار .

وكان بينه وبين عبد الله بن الزبير منافرات شديدة ، ولما دعا ابن الزبير لنفسه بالخلافة في مكة أبى ابن عباس أن يبايعه ، فَنَفَاه من مكة إلى الطائف .

وفاته :

توفّي ابن عباس ( رضوان الله عليه ) في مَنفاه بالطائف ، سنة ( 68 هـ ) ، وهو ابن إحدى وسبعين سنة ، وهو يكثر من قوله : اللَّهُمَّ إنِّي أتقرَّبُ إليك بمحمَّدٍ وآله ، اللَّهُمَّ إنِّي أتقرَّب إليكَ بِوِلاية عَلي بن أبي ‏طَالِب.

عبد الله الرضيع ( عليه السلام ) ابن الإمام الحسين ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

عبد الله بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .

أمّه الرباب بنت القيس الكلبية .

قصة شهادته ( عليه السلام ) :

عاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) إلى المخيم يوم عاشوراء وهو منحني الظهر ، وإذا بعقيلة بني هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) استقبلَتهُ بِعبدِ الله الرضيع ( عليه السلام ) قائلةً : أخي ، يا أبا عبد الله ، هذا الطفل قد جفَّ حليب أُمِّه ، فاذهب به إلى القوم ، عَلَّهُم يسقوه قليلاً من الماء .

فخرج الإمام الحسين ( عليه السلام ) إليهم ، وكان من عادته إذا خرج إلى الحرب ركب ذا الجناح ، وإذا توجه إلى الخطاب كان يركب الناقة .

ولكن في هذه المَرَّة خرج راجلاً يحمل الطفل الرضيع ( عليه السلام ) ، وكان يظلله من حرارة الشمس .

فصاح : أيها الناس ، فَاشْرَأَبَّتْ الأعناق نحوه ، فقال ( عليه السلام ) :

أيُّها الناس ، إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار .

فاختلف القوم فيما بينهم ، فمنهم من قال : لا تسقوه ، ومنهم من قال : أُسقوه ، ومنهم من قال : لا تُبقُوا لأهل هذا البيت باقية .

عندها التفت عُمَر بن سعد إلى حرملة بن كاهل الأسدي ( لعنه الله ) وقال له : يا حرملة ، إقطع نزاع القوم .

يقول حرملة : فهمت كلام الأمير ، فَسَدَّدتُ السهم في كبد القوس ، وصرت أنتظر أين أرميه .

فبينما أنا كذلك إذ لاحت مني التفاتة إلى رقبة الطفل ، وهي تلمع على عضد أبيه الحسين ( عليه السلام ) كأنها إبريق فِضَّة .

فعندها رميتُهُ بالسهم ، فلما وصل إليه السهم ذبحه من الوريد إلى الوريد ، وكان الرضيع مغمىً عليه من شدة الظمأ ، فلما أحس بحرارة السهم رفع يديه من تحت قِماطِهِ واعتنق أباه الحسين ( عليه السلام ) ، وصار يرفرف بين يديه كالطير المذبوح ، فَيَالَهَا من مصيبة عظيمة .

وعندئذٍ وضع الحسين ( عليه السلام ) يده تحت نَحرِ الرضيع حتى امتلأت دماً ، ورمى بها نحو السماء قائلا:

اللَّهم لا يَكُن عليك أَهْوَنُ مِن فَصِيلِ نَاقةِ صَالح ، فعندها لم تقع قطرة واحدة من تلك الدماء المباركة إلى الأرض ، ثم عاد به الحسين ( عليه السلام) إلى المخيم .

فاستقبلَتهُ سُكينة وقالت : أَبَة يا حسين ، لعلَّك سقيتَ عبدَ الله ماءً وأتيتنا بالبقية ؟

قال ( عليه السلام ) : بُنَي سكينة ، هذا أخوكِ مذبوحٌ من الوريد إلى الوريد .

عبد العظيم الحسني ( عليه السلام ) من أحفاد الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

بعد وفاته وعندما أرادوا تغسيله ، وجدوا في جيبه ورقة ، يُعرِّف فيها نفسه كما يلي : أنا أبو القاسم عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) .

ولادته ونشأته :

 ولد ( رضوان الله عليه ) في اليوم الرابع من شهر ربيع الثاني ، عام 173 هـ ، أيّام عهد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، وعاش في مدينة سامراء .

أساتذته :

من أساتذته : هشام بن الحكم ، وابن أبي عمير ، وعلي بن جعفر ، والحسن بن محبوب ، وغيرهم .

تلامذته والراوون عنه :

من تلامذته ومن روى عنه : أحمد بن مهران ، وأحمد بن محمّد بن خالد ، وأحمد بن أبي عبد الله ، وغيرهم .

جوانب من حياته :

كان رجلاً ، زاهداً ، متّقياً ، ورعاً ، إلاّ أنّه هرب من جور الخليفة العباسي إلى إيران ، ليعيش في سرداب لأحد الشيعة في محلّة سكّة الموالي في مدينة الري ، وأخذ الشيعة يتوافدون عليه متستّرين لينهلوا من علمه .

مكانته العلمية :

كان السيد عبد العظيم الحسني من كبار العلماء والمحدّثين الشيعة ، ومن أصحاب الإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي ( عليهم السلام ) .

وكان ذا عقيدة كاملة بالأئمّة ، فقد دخل يوماً على الإمام الهادي ( عليه السلام ) ليستعرض عليه معتقداته ، فلمّا نظر إليه الإمام ( عليه السلام ) قال : ( مَرحباً بك يا أبا القاسم ، أنت ولينا حقّاًًً ) .

كما أنّ الإمام الهادي ( عليه السلام ) قال لحمّاد الرازي : ( إذا أشكل عليك شيء من أمر دينك بناحيتك ، فَسَلْ عنه عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، وأقرِأْه منّي السلام ) .

وقد جمع السيد عبد العظيم خطب الإمام علي ( عليه السلام ) في كتاب عُرف بـ( خُطَب أمير المؤمنين ) .

وفاته :

مرض ( رضوان الله عليه ) مرضاً شديداً أدّى به إلى وفاته في 15 شوّال 252 هـ ، أيّام عهد الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، ودفن في مدينة ري ، جنوب العاصمة طهران ، ومزاره اليوم ملاذ للمؤمنين والموالين لأهل البيت ( عليهم السلام ) .

عبد المطلب جد النبي ( صلى الله عليه وآله )

ولادته :

اسمه شَيبة الحمد ، ولد في المدينة نحو 127 قبل الهجرة ، كان سيّد العرب وسيّد الوادي ، وسيّد قريش وحكيمها وعالمها ، وُلد وفي رأسه شيبة فقيل له : شيبة الحمد ـ رجاء أن يكبر ويشيخ ويكثر حمد الناس له ـ وقد حقّق الله ذلك ، فكثر حمدهم له ، لأنّه كان مَفزَع قريش في النوائب ، وملجأها في الأمور ، وكان شريفهم وسيّدهم كمالاً وفعلاً .

صفاته وأخلاقه :

1ـ كرمه : كان كثير الكرم حيث أنّه قد لُقّب بالفيّاض مُطعم الوحش والطير ، ولشدّة كرمه أطلقت عليه العرب إبراهيمَ الثاني ، وكذلك للخصال الحميدة التي تجمّعن فيه .

2ـ إيمانه : كان عبد المطلب ( رضوان الله عليه ) يؤمن بالله واليوم الآخر ، وكان يقول للناس : لن يخرج من الدنيا ظلوم حتّى ينتقم الله منه وتصيبه عقوبة ، إلى أن هلك رجل ظلوم من أرض الشام ولم تصبه عقوبة ، فقيل لعبد المطلب في ذلك ، ففكّر وقال : والله إنّ وراء هذه الدار داراً ، يجازى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .

ورفض عبادة الأصنام ، ونهى أن يستقسم بالأزلام ، وعن أكل ما يُذبح على النُّصُب ، ودعا إلى توحيد الباري عز وجل ، ولم تكن شريعة مشروعة في زمنه ، ولهذا كانت عبادته التفكّر في آلاء الله ومصنوعاته ، والدعوة إلى صلة الأرحام ، واصطناع المعروف والاتّصاف بمكارم الأخلاق .

وكان يختلي كثيراً بغار حِراء ليجمع فكره وقلبه في الاستغراق في التفكير في صفات الله وأفعاله الدالّة عليه ، فإذا دخل شهر رمضان صعِد غار حراء بعد أن يأمر بإطعام المساكين ، وتخلّى عن الناس مفكّراً في جلال الله وعظمته .

3ـ كراماته : أكرمه الله بمعجزة حفر بئر زمزم ، ومعجزة نبع الماء من تحت راحلته عندما سافر للتقاضي بينه وبين خصومه ، فأدركهم العطش ورفض خصومه أن يسقوه وجماعته .

وهبه الله عز وجل أكثر من عشرة أولاد ، وكان مستجاب الدعوة ، وكانت قريش إذا أصابها قحط شديد تأتيه فتستسقي به فيُسقَون .

وفي حادثة أصحاب الفيل عندما جاء أبرهة الأشرم لهدم الكعبة شرّفها الله ، قابله عبد المطلب وطلب منه أن يردّ عليه إبلاً له أخذها الجيش ، فقال أبرهة : ألا تطلب منّي أن أعود عن هدم البيت ـ الكعبة ـ ؟! فأجابه عبد المطلب بكلمة الإيمان الراسخ : أمّا الإبل فأنا ربّها ، وأمّا البيت فإنّ للبيت ربّاً يحميه ، وأمسك عبد المطلب بحلقة باب الكعبة شرّفها الله ، وناجى ربّه :

يا ربِّ لا أرجو لهم سواكا

يا ربّ فامنَع منهمُ حِماكا

إنّ عدوَّ البيـتَ مَن عاداكا

امنعهمُ أن يُخربـوا فِناكا

ثمّ عقّب بقوله : يا معشر قريش ، لا يصل إلى هدم هذا البيت ، فإنّ له ربّاً يحميه ويحفظه ، فأهلك الله أبرهة وجيشه ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورة الفيل بقوله تعالى: ( ألم تَرَ كيف فَعَلَ ربُّك بأصحاب الفيل * ألم يجعلْ كَيدَهم في تضليل * وأرسل عليهم طيراً أبابيل * ترميهم بحِجارةٍ من سِجّيل * فجعلَهم كعَصفٍ مأكول ) .

وكانت الحادثة سنة ولادة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، لأجل ذلك يقولون : ولد النبي عام الفيل .

4ـ سننه : وقد سنّ ( رضوان الله عليه ) كثيراً من السنن التي أقرّها الإسلام : كقطع يد السارق ، وفرض الدية مائة من الإِبل ، والوفاء بالنَّذر ، ونهى أن يطوف في البيت ـ الكعبة ـ عريان ، وحدّد الطواف بسبعة أشواط ، وحرّم الخمر والزنا ونكاح المحارم ، ونهى عن وأد البنات ، وكان أوّل من أخرج الخمس ، وكان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي ، ويحثّهم على مكارم الأخلاق ، وينهاهم عن دنيّات الأمور .

5ـ منزلته الاجتماعية : حكّمته قريش بأموالها ، وكانت له الرفادة والسقاية ، وكانت له إبل كثيرة يجمعها في المواسم ويسقي لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم ، ويشتري الزبيب فينقعه في ماء زمزم ويسقيه الحُجّاج .

وأعطاه الله من الشرف ما لم يُعط أحداً ، وكان فصيح اللسان ، حاضر القلب ، وكان لطيب ريحه يفوح منه رائحة المسك ، وكان نور النبي ( صلى الله عليه وآله ) يضيء من غُرّته .

6ـ يقينه بالنبوّة : كان عبد المطّلب شديد اليقين بنبوّة محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّه كان نبي مرسل من قبل الله عز وجل ، وقد فرح كثيراً بولادته وأنشد :

الحمـد لله الذي أعـطانـي

هذا الغلامَ الطيّبَ الأردانِ

قد ساد في المهد على الغلمان

أُعيذه بالله ذي الأركـانِ

حتّـى أراه بالــغَ البُنيـانِ

أُعيذه من شـرّ ذي شنآنِ

من حاسدٍ مضطربِ العنانِ

وهو الذي قد قال : إنّي قد خلّفتُ لكم الشرف العظيم الذي تطأون به رقاب الناس .

وصاياه بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) :

كان قبل وفاته كثيراً ما يوصي ولده أبا طالب بمحمّد ( صلى الله عليه وآله ) قائلاً : يا بُني ! تَسلّم ابن أخيك ، فأنت شيخ قومك وعاقلهم ، ومَن أجدُ فيه الحِجى دونهم ، وهذا الغلام تحدّثت به الكهّان ، وقد روينا في الأخبار أنّه : سيظهر من تهامة نبيٌّ كريم ، وقد رُوي فيه علامات قد وجدتها فيه ، فأكرِم مثواه واحفظه من اليهود فإنّهم أعداؤه .

فأجابه أبو طالب : قد قبلت ، واللهُ على ذلك شاهد ، ثمّ مدّ يده إليه ، فضرب بها على يد ابنه أبي طالب قائلاً : الآن خُفّف علَيَّ الموت ، وودّعه عبد المطّلب وهو يقبّله قائلاً : أشهد أنّي لم أر أحداً في ولدي أطيب ريحاً منك ، ولا أحسن وجهاً .

وفاته :

توفّي ( رضوان الله عليه ) بمكّة في اليوم العاشر من ربيع الأوّل في السنة الثامنة من ولادة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولعبد المطلب مائة وعشرون سنة ، وقيل مائة وأربعون .

أعظمت قريش موته ، وغُسل بالماء والسدر ـ وكانت قريش أوّل مَن غسل الموتى بالسدر ـ ولُفّ في حُلّتين من حلل اليمن قيمتهما ألف مثقال ذهب ، وطُرح عليه المسك حتّى ستره .

وحُمل على أيدي الرجال عدّة أيّام إعظاماً وإكراماً وإكباراً لتغييبه في التراب .

علي ( رضوان الله عليه ) ابن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

علي ، بن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، بن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) ، بن الإمام علي السجَّاد ( عليه السلام ) ، بن الإمام الحسين ( عليه السلام ) السبط ، بن الإمام علي ( عليه السلام ) ، بن أبي طالب ( رضوان الله عليه ) ، القرشي ، الهاشمي ، العلوي ، المدني ، المشهور بـ ( العريضي ) ، نِسبةً إلى مَحلة ( العريض ) في ضاحية المدينة المنوَّرة .

ولادته :

عند وفاة أبيه ( عليه السلام ) ، في سنة ( 148 هـ ) ، كان صبيّاً لم يبلغ الحلم ، أي : لم يتم الخامسة عشرة من عمره .

أساتذته :

نهل من علوم ، أبيه الصادق ، والكاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادي ( عليهم السلام ) .

إضافة لذلك أفاد من حسين بن زيد الشهيد ، وسفيان بن عينه ، ومحمد بن مسلم ، وعبد الملك بن قدامة ، ومعتب ، وأبو سعيد المَكي ، وروى عنهم أيضاً .

تلامذته :

لقد تلمذ عنده العديد من العلماء مثل : أحمد بن محمد بن أبي نصر البيزنطي ، ويونس بن عبد الرحمن ، وعلى بن أسباط ، وعبد العظيم بن عبد الله الحسني ، وأيوب بن نوح ، وغيرهم .

مكانته العلمية :

بعد وفاة أبيه الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، أصبح تحت رعاية أخيه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ونهل من مناهله الفياضة الصافية ، فأصبح عَلَماً من أعلام القرن الثاني الهجري .

كما عاصر الإمام الرضا والجواد والهادي ( عليهم السلام ) ، وصاحبهم في أسفار عديدة ، وأخذ منهم العلوم ، والفضائل الكثيرة ، وكان أمين سِرِّهم ، وخازن أموالهم أيضاً .

ووقف إمام الواقفية وقفه مشرِّفة ، وتحدَّاهم بكل قوة ، وأظهر للجميع زيف دعواهم ، وانحرافهم عن النهج القويم .

وكان وجيهاً محترماً لدى الشيعة الإمامية ، وكان يَفِد إليه الناس ، وينهلون من علومه التي تلقَّاها مباشرةً عن أبيه الصادق ( عليه السلام ) .

سُمو أخلاقه :

روي أنه كان يستقبل الإمام الجواد ( عليه السلام ) بكل أدب وتبجيل ، ويقدم له النعلين ، في حين أن الإمام كان طفلاً ، وهو شيخاً طاعناً في العمر .

وعندما كانوا يحتجُّون عليه بذلك ، يبرهن عمله كواجب شرعي تجاه إمام ، مفترض الطاعة ، وولي الأمر .

من مواقفه :

روي أنه اشترك هو وأخوه محمد بن جعفر ( عليهما السلام ) في نهضة الطالبيين ، ودارت بينهم وبين الحاكم العباسي هارون بن المُسيَّب حرب طاحنة ، دفاعاً عن حقوق الطالبيين .

أقوال العلماء فيه :

يقول الشيخ المفيد : إن علي بن جعفر من رواة الأحاديث ، وإن رواياته معتمدة ، ومعتبرة ، وهو تقي ، فاضل ، وثقة .

وكان يلازم أخاه الإمام الكاظم ( عليه السلام ) دائماً ، وقد رَوى عنه روايات كثيرة .

ويقول الشيخ الطوسي : إنه عالم ، جليل ، ثقة ، ومعتمد عليه .

ويقول العلامة الحلي : إنه ثقة ، وقد نقل عنه الكِشِّي الرواية ، ويدل ذلك على اعتقاده الراسخ وادبه تجاه الإمام الجواد ( عليه السلام ) .

مؤلفاته :

للأسف ضاعت كتبه ، ولم يصل إلينا منها إلا كتابه الوحيد القَيِّم ، وهو ( مسائل علي بن جعفر ) ، ويحتوي على أسئلة عرضها على الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، وردود الإمام ( عليه السلام ) على تلك المسائل .

وفاته :

لقد صاحب علي بن جعفر ( رضوان الله عليه ) أربعة من الأئمة ، الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، والإمام الرضا ( عليه السلام ) ، والإمام الجواد ( عليه السلام ) ، والإمام الهادي ( عليه السلام ) .

فلو فرضنا بقاءه مُدَّة قليلة من زمن الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، تكون وفاته حوالي سنة ( 220 هـ ) ، فيكون عمره الشريف ( رضوان الله عليه ) نحو 85 سنة .

واستناداً إلى بعض الروايات أن جثمانه الطاهر قد دُفن في مدينة ( قُمْ ) المقدسة .

ومرقده ( رضوان الله عليه ) – في الوقت الحاضر – مزار لِمُحِبِّي أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم .

علي الأكبر بن الإمام الحسين ( عليهما السلام )

ولادته :

ولد علي الأكبر ( عليه السلام ) يوم الحادي عشر من شعبان عام 33 هـ ، وأبوه الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأمّه لَيلى بنت أبي مُرَّة بن عروة بن مسعود الثقفي .

صفاته وسيرته :

كان ( عليه السلام ) من أصبحِ الناس وجهاً ، وأحسنِهِم خُلُقاً ، وروي أنّه كان يشبه جَدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنطق والخَلق والخُلق .

ورَوى الحديث عن جَدِّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وهو صغير السنِّ ، مِمَّا يدل على تعلّقه بالعلم والكمال منذ الصغر .

شجاعته :

روي أنّه : لما ارتحلَ الإمام الحسين ( عليه السلام ) من قصر بني مقاتل خفق وهو على ظهر فرسه خفقة ، ثمّ انتبه ( عليه السلام ) وهو يقول : ( إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجِعُون ، والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمين ) ، كَرَّرها مرَّتين أو ثلاثاً .

فأقبل ابنه علي الأكبر ( عليه السلام ) فقال : ( ممَّ حمدْتَ الله واسترجَعْتَ ؟ ) .

فقال الحسين ( عليه السلام ) : ( يا بُنَي ، إنِّي خفقتُ خفقة فعنَّ لي فارس على فرس ، وهو يقول : القوم يسيرون ، والمنايا تسير إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعِيَت إلينا ) .

فقال علي الأكبر ( عليه السلام ) : ( يا أبَه ، لا أراك الله سوءً ، ألَسْنَا على الحق ؟ ) .

فقال ( عليه السلام ) : ( بَلَى والذي إليه مَرجِع العباد ) .

فقال علي الأكبر ( عليه السلام ) : ( فإننا إذَنْ لا نُبالي أن نموت مُحقِّين ) .

فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ) : ( جَزَاك اللهُ مِن وَلدٍ خَير مَا جَزَى وَلَداً عن والِدِه ) .

وفي الرواية السابقة دلالة على جلالة قدر علي الأكبر ( عليه السلام ) ، وحسن بصيرته ، وشجاعته ، ورَباطَةِ جأشه ، وشدّة معرفته بالله تعالى .

وقد مدحته الشعراء ، فيقول أبو الفرج الإصفهاني : إنّ هذه الأبيات قِيلَت في علي الأكبر ( عليه السلام ) :

لـم تَـرَ عَيـنٌ نَظَـرتْ مِثلـه

من محتف يَمشـي ومِن نَاعِلِ

كـانَ إذا شــبَّت لَـهُ نــارُه

وقَّدَهـا بالشَّــرفِ الكَامِــلِ

كَيْـما يراهَــا بائـسٌ مرمـلٌ

أو فـرد حـيٍّ ليـسَ بالأهـلِ

أعني ابن اليلى ذا السدى والنَّدى

أعني ابن بنت الحسين الفاضل

لا يؤثِــرُ الدنيـا علـى دِينِـه

ولا يبيـعُ الحَـقَّ بِالباطِــل

شهادته :

روي أنّه لم يبقَ مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) يوم عاشوراء إلاَّ أهل بيته وخاصَّته .

فتقدّم علي الأكبر ( عليه السلام ) ، وكان على فرس له يدعى الجناح ، فاستأذن أبَاه ( عليه السلام ) في القتال فأذن له ، ثُمَّ نظر إليه نظرة آيِسٍ مِنه ، وأرخَى عينيه ، فَبَكى ثمّ قال : ( اللَّهُمَّ كُنْ أنتَ الشَّهيد عَليهم ، فَقد بَرَز إليهم غُلامٌ أشبهُ النَّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك ) .

فشَدَّ عَليٌّ الأكبر ( عليه السلام ) عليهم وهو يقول :

أنَا عَليّ بن الحسين بن علي

نحن وبيت الله أولَـى بِالنَّبي

تالله لا يَحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي

أضرِبُ بالسَّيفِ أحامِي عَن أبي

ضَربَ غُلام هَاشِميٍّ عَلوي

ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول : ( يا أباه العطش !! ) .

فيقول له الحسين ( عليه السلام ) : ( اِصبِرْ حَبيبي ، فإنَّك لا تُمسِي حتّى يَسقيك رسولُ الله ( صلى الله عليه وآله ) بكأسه ) .

ففعل ذلك مِراراً ، فرآه منقذ العبدي وهو يشدُّ على الناس ، فاعترضه وطعنه فصُرِع ، واحتواه القوم فقطَّعوهُ بِسِيوفِهِم .

فجاء الحسين ( عليه السلام ) حتّى وقف عليه ، وقال : ( قَتَلَ اللهُ قوماً قتلوك يا بُنَي ، ما أجرأهُم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ) .

وانهمَلَتْ عيناه بالدموع ، ثمّ قال ( عليه السلام ) : ( عَلى الدُّنيا بَعدَك العفا ) .

وقال لِفِتيانه : ( احملُوا أخَاكُم ) ، فحملوه من مصرعه ذلك ، ثمّ جاء به حتّى وضعه بين يدي فسْطَاطِهِ .

وروي أنّه كان أوّل قتيل مِن وِلد أبي طالب مع الحسين ( عليه السلام ) ابنه علي الأكبر ( عليه السلام ) .

فَسَلامٌ عليك يا شهيد ، وابن الشهيد ، ويا مظلوم ، وابن المظلوم ، ولعن الله قاتليك وظالميك .

فاطمة بنت أسد ( سلام الله عليها ) أم الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام )

اسمها:

فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، أول امرأة هاجرت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، من مكة إلى المدينة على قدميها .

إيمانها:

كانت فاطمة بنت أسد صُلبةَ الإيمان ، لا تتزحزح عن توحيد الله المتعال ، لم تركع لصنمٍ لا يقدر على استجلاب النفع لنفسه ولا الإضرار بها ، ظلت مرفوعة الرأس في الامتحان الذي خسر فيه الكثيرون ، لم تأكل ممّا ذُبح على الأنصاب ، فآلَ ذلك إلى طهارة روحها وجسدها ، واستحقّت شرف ولادة مولى الموحّدين أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

زواجها:

مرّت على فاطمة بنت أسد في أحد أيّام مكّة الحارّة لحظات حسّاسة لا تُنسى ، لحظات تمرّ بها جميع الفتيات في مثل هذه المرحلة من العمر ، فقد تقدّم لخطبتها شابّ مؤمن موحّد يُدعى ( أبو طالب ) ، شاب ينحدر من سلالة كريمة ومَحتِد أصيل .

وقيل لها بأنّ جدّه هو ( عبد المطّلب ) ، ومَن مِن فتيات مكّة ـ فضلاً عن رجالها ـ لم يَقرَع سمعها اسمُ عبد المطّلب ، ومَن منهنّ لم تبلغها جلالة قدره وكرم نسبه .

عنايتها بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) :

عُرف عنها أنّ أبا طالب لمّا أتاها بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد وفاة عبد المطّلب وقال لها : اعلمي أنّ هذا ابنُ أخي ، وهو أعزّ عِندي من نَفسي ومالي ، وإيّاكِ أن يتعرّض علَيه أحدٌ فيما يريد ، فتبسّمت من قوله وقالت له : توصيني في وَلدي محمّد ، وإنّه أحبُّ إليّ من نفسي وأولادي ؟! ففرح أبو طالب بذلك .

وبعدها اعتَنَت فاطمةُ بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) عناية فائقة ، وأولَتْه رعايتها وحبّها ، وكانت تُؤثِره على أولادها في المطعم والملبس ، وكانت تغسّله وتدهن شَعره وتُرجّله ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يحبّها ولا يناديها إلاّ بـ ( أمّي ) .

منزلتها :

فاطمة بنت أسد من جملة أولياء الله المقرّبين الذين شفّعهم في قوله عزّ من قائل : ( ولا تَنفَعُ الشفاعةُ عِنَدهُ إلاّ لِمَن أَذِنَ له ) ، وقد نالت هذه السيّدة الجليلة هذا المقامَ الرفيع في الدنيا ، وعُدّت في الآخرة في عداد الشفعاء الذين يَشفَعون فيُشفّعهم الله تعالى .

ولم تَنَل بنت أسد مقام الشفاعة السامي الاّ في ظِلّ متابعة النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، والتنزّه عن عبادة الأصنام ، والثبات في توحيد الله عزّوجل ، وقد برهنت هذه المرأة أنّ المخلوق الضعيف يمكنه أن يرقى في الكمالات ، وأن يصون نفسه أمام سيل الحوادث والبلايا ، متمسّكاً بعبادة الواحد الأحد الذي لا شريك له .

ومن الذين آمنهم الله تعالى من نار جهنّم فاطمة بنت أسد ، فقد روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّ الله تعالى أوحى إلى نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) : إنّي حرّمتُ النارَ على صلبٍ أنزَلَك ، وبَطنٍ حَمَلَك ، وحِجرٍ كَفَلَك ، وأهلِ بيتٍ آوَوك .

فعبدُ الله بنُ عبد المطّلب الصُّلب الذي أخرجه ، والبطن الذي حمله آمنة بنت وهب ، والحِجر الذي كفله فاطمة بنت أسد ، وأمّا أهل البيت الذين آوَوه فأبو طالب .

ولقد رَعَت فاطمة بنت أسد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في صِغره ، ورَبَّته ، وحَنَت عليه حُنوَّ الأم الشفيق على ولدها ، فجزاها الله تعالى عن حُسن صنيعها في نبيّه الكريم بأنْ حرّم عليها النار .

وفاتها:

نقل المؤرّخون أن وفاتها كانت في السنة الثالثة ـ أو الرابعة ـ من الهجرة النبويّة ، ودُفنت في المدينة المنوّرة ، وكان لها عند وفاتها 65 عاماً تقريباً .

وكفنها النبي ( صلى الله عليه وآله ) فحمل جنازتها على عاتقه ، فلم يَزَل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها ، ثمّ وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه ، ثمّ قام فأخذها على يَدَيه حتّى وَضَعَها في القبر ، ثمّ انكبّ عليها طويلاً يُناجيها ويقول لها : ابنكِ ابنكِ ، ويلقّنها الولاية لإكمال إيمانها ( رضوان الله عليها).

فاطمة بنت حزام – أم البنين – ( عليها السلام ) زوجة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام )

اسمها ونسبها :

إن أم البنين ( عليها السلام ) غلبت كنيتها على اسمها لأمرين :

1 – أنها كُنِّيَت بـ ( أم البنين ) تشبهاً وتيمناً بجدتها ليلى بنت عمرو حيث كان لها خمسة أبناء .

2 – التماسها من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن يقتصر في ندائها على الكنية ، لئلا يتذكر الحسنانِ ( عليهما السلام ) أمَّهما فاطمة ( عليها السلام ) يوم كان يناديها في الدار .

وإن اسم أم البنين هو : فاطمة الكلابيّة من آل الوحيد ، وأهلُها هم من سادات العرب ، وأشرافهم وزعمائهم وأبطالِهم المشهورين ، وأبوها أبو المحل ، واسمُه : حزام بن خَالد بن ربيعة .

نشأتها :

نشأت أم البنين ( عليها السلام ) بين أبوينِ شريفين عُرِفا بالأدب والعقل ، وقد حَبَاهَا الله سبحانه وتعالى بجميل ألطافه ، إذ وهبها نفساً حرةً عفيفةً طاهرة ، وقلباً زكياً سليماً ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد .

فلما كبرت كانت مثالاً شريفاً بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد ، فجمعت إلى النسب الرفيع حسباً منيفاً ، لذا وقع اختيار عقيل عليها لأن تكون قرينةَ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) .

الاقتران المبارك :

أراد الإمام علي ( عليه السلام ) أن يتزوج من امرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام ، يضربون في عروق النجابة والإباء ، ليكون له منها بنون ذوو خصالٍ طيّبة عالية ، ولهذا طلب أميرُ المؤمنين ( عليه السلام ) من أخيه عقيل – وكان نسابة عارفاً بأخبار العرب – أن يختار له امرأةً من ذوي البيوت والشجاعة ، فأجابه عقيل قائلاً :

(أخي ، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها) .

ثم مضى عقيلُ إلى بيت حزام ضيفاً فأخبره أنه قادم عليه يخطب ابنتَه الحرة إلى سيد الأوصياء علي ( عليه السلام ) .

فلما سمع حزام ذلك هَشَّ وَبَشَّ ، وشعر بأن الشرف ألقى كلاكله عليه ، إذ يصاهر ابنَ عم المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، ومَن ينكر علياً ( عليه السلام ) وفضائله ، وهو الذي طبق الآفاق بالمناقب الفريدة .

فذهب حزام إلى زوجته يشاورها في شأن الخِطبة ، فعاد وهو يبشر نفسه وعقيلاً وقد غمره السرور وخفت به البشارة .

وكان الزواج المبارك على مهرٍ سَنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في زوجاته وابنته فاطمة ( عليها السلام ) ، وهو خمس مئة درهم .

مجمع المكارم :

أم البنين ( عليها السلام ) من النساءِ الفاضلاتِ ، العارفات بحق أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة ، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى ( عليها السلام ) بعد منصرفها مِن واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيام العيد.

فقد تميزت هذه المرأة الطاهرة بخصائصها الأخلاقية ، وإن مِن صفاتها الظاهرة المعروفة فيها هو : ( الوفاء ) .

فعاشت مع أميرِ المؤمنين ( عليه السلام ) في صفاءٍ وإخلاص ، وعاشتْ بعد شهادته

( عليه السلام ) مدّة طويلةً لم تتزوج من غيره ، إذ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث ، فامتنعت .

وقد روت حديثاً عن علي ( عليه السلام ) في أن أزواج النبي والوصي لا يتزوجن بعده.

وذكر بعض أصحاب السير أن شفقتها على أولاد الزهراء ( عليها السلام ) وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة – العباس وأخوته – ( عليهم السلام ) ، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) ، والتضحية دونه والاستشهاد بين يديه.

وفاتها :

وبعد عمرٍ طاهر قضته أم البنين ( عليها السلام ) بين عبادةٍ لله جل وعلا وأحزانٍ طويلةٍ على فقد أولياء الله سبحانه ، وفجائع مذهلة بشهادة أربعة أولادٍ لها في ساعةٍ واحدة مع حبيب الله الحسين ( عليه السلام ) .

وكذلك بعد شهادة زوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في محرابه .

بعد ذلك كله وخدمتها لسيد الأوصياء ( عليه السلام ) وولديه الإمامين ( عليهما السلام ) سبطَي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيدي شباب أهل الجنة ، وخدمتها لعقيلة بني هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) أقبل الأجَلُ الذي لابُدَّ منه ، وحان موعدُ الحِمام النازل على ابن آدم .

فكانتْ وفاتُها المؤلمة في الثالث عشر مِن جمادى الآخرة سنة ( 64 هـ ) .

فسلامٌ على تلك المرأة النجيبة الطاهرة ، الوفيّة المخلصة ، التي واست الزهراء ( عليها السلام ) في فاجعتها بالحسين ( عليه السلام ) ، ونابت عنها في إقامة المآتم عليه ، فهنيئاً لها ولكل من اقتدت بها من المؤمنات الصالحات .

فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم ( عليهما السلام )

اسمها ونسبها :

هي السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليهم السلام ) ، سليلة الدوحة النبوية المطهرة ، وغصن يافع من أغصان الشجرة العلوية المباركة ، وحفيدة الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) المحدِّثة ، العالمة ، العابدة .

اختصتها يد العناية الإلهية فمنت عليها بأن جعلتها من ذرية أهل البيت المطهرين ( سلام الله عليهم أجمعين ) .

وقد ورد في بعض التواريخ أن الإمام الرضا ( عليه السلام ) لقبها بالمعصومة .

ولادتها ونشأتها :

وُلدت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) في المدينة المنورة في الأول من شهر ذي القعدة عام ( 173 هـ ) على أصح التواريخ .

وترعرت في بيت الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، فورثت عنه من نور أهل البيت (عليهم السلام) وهديهم وعلومهم في العقيدة والعبادة والعفة والعلم ، وعُرِّفت على ألسنة الخواص بأنها :

( كريمة ) أهل البيت ( عليهم السلام ) .

نشأت السيدة فاطمة ( عليها السلام ) تحت رعاية أخيها الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، لأن الرشيد العباسي أمر أباها عام ولادتها ، فأودعه سجونه الرهيبة الواحد تلو الآخر ، إلى أن اغتاله بالسم عام ( 183هـ ) .

فعاشت السيدة المعصومة مع إخوتها وأخواتها في كنف الإمام الرضا ( عليه السلام ) .

وقد أجمع أصحاب السير والتراجم على أن أولاد الإمام الكاظم ( عليه السلام ) كانوا أعلاماً لائحة في العبادة والتقوى والنُّسك .

من كراماتها :

نقل مؤلف كتاب : ( كرامات معصوميه ) عن أحد المهاجرين العراقيين :

( حَدَث يوماً أن وُصف لي طبيب حاذق ، فاصطحبت والدتي له ، فعاينها ووصف لها علاجاً ، ثمّ إني عُدت بوالدتي إلى البيت ، وبدأت بحثي عن الدواء الذي وصفه لها ، فما وجدته إلا بعد عناء ومشقة عظيمة .

ولما كنت في طريقي إلى المنزل ، وقع بصري على القبة المقدسة للسيدة المعصومة (عليها السلام) ، فألهم قلبي زيارتها والتوسل بها إلى الله تعالى ، فدخلت الحرم المطهر ، وألقيت بالأدوية جانباً ، وخاطبت السيدة بلوعة وحُرقة :

يا سيدتي ، لقد كنا في العراق نلجأ إلى أبيكِ باب الحوائج في كل شدة وعُسر ، ونستشفع به إلى الله تعالى في قضاء حوائجنا ، فلا نعود إلا وقد تيسر لنا عسيرُها ، وها نحن لا ملجأ لنا هنا إلاكِ ، وها أنا سائلك أن تشفعي في شفاء أمي مما ألم بها .

قال : ولقد منّ الله تعالى على والدتي بالشفاء في نفس ذلك اليوم ببركة بنت موسى بن جعفر ( عليهم السلام ) ، فاستغنينا عن الدواء .

ظروفها الاجتماعية والسياسية :

ولدت السيدة المعصومة في عهد الرشيد العباسي ، ففتحت عينيها منذ صغرها على وضع سلطوي إرهابي ، فلقد قامت أركان الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية ، وتستر العباسيون وراء شعار رفعوه في بداية أمرهم هو : ( الرضا من آل محمد ) ، ليوهموا طائفة من المسلمين الموالين لأهل البيت ( عليهم السلام ) .

لكنهم ما إن تسنموا سدة الحكم واستتبت لهم الأمور حتى انقلبوا على أهل البيت ( عليهم السلام ) وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكل من يمت لهذه الدوحة العلوية الشريفة بصلة ، فلاحقوا أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) وقتلوهم وسجنوهم .

رحلتها إلى خراسان :

اكتنفت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) – ومعها آل أبي طالب – حالة من القلق الشديد على مصير الإمام الرضا ( عليه السلام ) منذ أن استقدمه المأمون إلى خراسان .

فقد كانوا في خوف بعدما أخبرهم أخوها أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) أنه سيستشهد في سفره هذا إلى طوس ، خاصة وأن القلوب ما تزال تدمى لمصابهم بالكاظم (عليه السلام) الذي استـقدم إلى بغداد ، فلم يخرج من سجونها وطواميرها إلا قتيلاً مسموماً .

كل هذا يدلنا على طرف مما كان يعتمل في قلب السيدة المعصومة ( عليها السلام ) ، مما حدا بها – حسب رواية الحسن بن محمد القمي في تاريخ قم – إلى شد الرحال ، إلى أخيها الرضا ( عليه السلام ) .

وفاتها :

رحلت السيدة المعصومة ( عليها السلام ) تقتفي أثر أخيها الرضا ( عليه السلام ) ، والأمل يحدوها في لقائه حياً ، لكن وعثاء السفر ومتاعبه اللذينِ لم تعهدهما كريمة أهل البيت ( عليها وعليهم السلام ) أقعداها عن السير .

فلزمت فراشها مريضة مُدنَفة ، ثم سألت عن المسافة التي تفصلها عن قم – وكانت آنذاك قد نزلت في مدينة ساوة – فقيل لها إنها تبعد عشرة فراسخ ( 70 كيلو متراً ) ، فأمرت بإيصالها إلى مدينة قم ، فحملت إليها على حالتها تلك ، وحطت رحالها في منزل موسى بن خزرج بن سعد الأشعري ، حتى توفيت ( عليها السلام ) بعد سبعة عشر يوماً .

وفي أصح الروايات أن خبرها لما وصل إلى مدينة قم ، استقبلها أشراف قم ، وتقدمهم موسى بن خزرج ، فلما وصل إليها أخذ بزمام ناقتها وقادها إلى منزله ، وكانت في داره حتى تُوفيت في سنة ( 201هـ ) ، فأمرهم بتغسيلها وتكفينها ، وصلى عليها ، ودفنها في أرض كانت له ، وهي الآن روضتها ، وبنى عليها سقيفة من البَواري ، إلى أن بَنَت زينب بنت محمد الجواد ( عليه السلام ) عليها قبّة .

الفضل بن العباس ( رضوان الله عليه ) ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله )

اسمه ونسبه :

الفضل بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، وأمُّه أمّ‏ُ الفضل لُبابَة بنت الحارث ، وهو أكبر ولد العباس .

أخباره :

غزا مع رسول‏ الله ( صلى الله عليه وآله ) مكَّة وحُنيناً ، وثبت يومئذٍ معه حين ولَّى الناس منهزمين .

وكان فيمن غسَّل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وشهد كفنه ، ودفنه ، ودخل القبر مع الإمام علي ( عليه السلام ) .

ولاؤه للإمام عليه ( عليه السلام ) :

كان من جملة المخلصين في ولائهم للإمام علي ( عليه السلام ) ، ومن المدافعين عن حقه ( عليه السلام ) في الخلافة ، كما شارك في مراسم دفن الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) .

وروي : إنَّ أبا بكر لما بويع افتخرت تيم بن مُرَّة ، قال : وكان عامَّة المهاجرين وجُلُّ الأنصار لا يَشكُّون أنَّ علياً هو صاحب الأمر بعد رسول ‏الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فقال الفضل بن العباس : يا معشر قريش وخصوصاً يا بني تيم ، إنَّكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة ، ونحن أهلها دونكم ، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا ، حَسَداً منهم لنا ، وحِقداً علينا ، وإنَّا لنعلم أنَّ عند صاحبنا عهداً هو ينتهي إليه .

شعره :

كان شاعراً ، مُجيداً ، شهد له بذلك أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، إذ قال له : ( أنت أشعر قريش ) .

ونقتطف أبياتاً من إحدى قصائده التي يمدح فيها الأنصار :

إنَّما الأنصارُ سَيفٌ قاطعٌ

مَن تُصِبْه ظبةُ السَّيفِ هَلَكْ

نَصَروا الدِّينَ وآوَوْا أهَلَه

منزلٌ رَحبٌ ورِزقٌ مُشتَرَكْ

وإذا الحربُ تَلَظَّت نارُها

بركوا فِيهَا إذا المَوتُ بَرَكْ

وفاته :

توفّي ( رضوان الله عليه ) في سنة ( 18 هـ ) ، في زمن خلافة عمر بن الخطاب‏ .

القاسم بن الإمام الحسن المجتبى ( عليهما السلام )

أبوه الإمام الحسن ( عليه السلام ) و أمه أم ولد يقال أن اسمها رملة .

عندما رأى القاسم عمه الإمام الحسين ( عليه السلام ) في يوم عاشوراء و قد قتل أصحابه وعدد من أهل بيته ، وسمع نداءه وهو يقول : ( هل من ناصر ينصرني ) ، جاء إلى عمه يطلب منه الرخصة لمبارزة عسكر الكفر ، فرفض الإمام الحسين ( عليه السلام ) ذلك لأنه كان غلاماً صغيراً .

فدخل القاسم المخيم فألبسته أمه لامة الحرب وأعطته وصية والده الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام ) ، يوصيه فيها بمؤازرة عمه الإمام الحسين ( عليه السلام ) في مثل هذا اليوم ، فرجع إلى عمه وأراه الوصية ، فبكى وسمح له ودعا له وجزاه خيراً .

روى أبو الفرج الإصفهاني :

خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر ، في يده السيف ، وعليه قميص وأزار ونعلان فقال عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي :

والله لأشدن عليه ، فقيل له : سبحان الله !! وما تريد إلى ذلك ؟ يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب ، قال : والله لأشدن عليه ، فما ولى وجهه حتى ضرب رأس الغلام بالسيف ، فوقع الغلام لوجهه ، وصاح : يا عماه !!

فشد عليهم الحسين ( عليه السلام ) شدة الليث إذا غضب ، فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بساعده فقطعها من لدن المرفق ، ثم تنحى عنه ، و حملت خيل عمر بن سعد فاستنقذوه من الحسين ( عليه السلام ) ، ولما حملت الخيل استقبلته بصدورها و جالت ، فوطأته حتى مات ( لعنه الله و أخزاه ) .

فلما تجلت الغبرة إذا بالحسين على رأس الغلام وهو يفحص برجليه ، والحسين يقول :

بُعداً لقوم قتلوك ، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال : عَزَّ على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته ، يوم كثر واتره وقل ناصره !! .

فحمله الإمام الحسين ( عليه السلام ) و رجلاه تخطان في الأرض ، حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين .

وكان يوم شهادته غلاماً لم يبلغ الحلم .

فسلام عليك يا أيها القاسم بن الحسن من غلام شهمٍ ، أبيٍّ ، شهيدٍ ، مظلومٍ ، محتسبٍ ، ولعن الله قاتلك ، ولعن الله المشتركين بدمك ، اللهم اخزهم يوم القيامة ، يوم لا تقبل توبة ولا تنفع ندامة .

محمد بن الحنفية ( رضوان الله عليه ) ابن الإمام علي ( عليه السلام )

اسمه ونسبه :

محمّد بن الإمام علي ابن أبي طالب ، معروف بـ ( ابن الحنفية ) ، لأنّ أمّه خولة الحنفية كانت من بني حنيفة ، فغلبت عليه هذه النسبة .

ولادته :

لم نعثر على تاريخ محدد لولادته ، إلاّ أنّه وُلد بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وبالاستناد إلى تاريخ وفاته تكون ولادته حوالي سنة ( 16 هـ)

سيرته :

كان محمّد بن الحنفية من أعقل الناس وأشجعهم ، وكانت راية الإمام علي ( عليه السلام ) في حرب الجمل بيده ، فلمّا حمل على الجيش وحمل الناس خلفه طحن عسكر أهل البصرة .

وقيل لمحمّد بن الحنفية ذات مرّة : لم يغرر بك أبوك في الحرب ، ولا يغرر بالحسن والحسين ( عليهما السلام ) ؟

فقال : إنّهما عيناه ، وأنا يمينه ، فهو يدفع عن عينيه بيمينه .

وفي أيّام ثورة المختار بالكوفة قام ابن الزبير – أيّام حكومته – بحبس محمّد بن الحنفية ، وجمع من بني هاشم وأنصارهم ، بأنّهم رفضوا مبايعته .

وكان يريد إحراقهم بالنار ، فأرسل ابن الحنفية رسالة إلى المختار يستنهض فيها الهمم ، ويطلب النصرة ، فأرسل المختار جيشاً من الكوفة .

وعندما دخل الجيش إلى مكّة رفع شعار : ( يَا لِثَارَاتِ الحُسين ) ، فقاموا بكسر السجن الذي كان فيه ابن الحنفية وأنصاره ، وقالوا له : خلِّ بيننا وبين عدوَّ الله بن الزبير ، فقال لهم ابن الحنفية : لا أستحلُّ القتال في حرم الله ـ أي مكّة المكرّمة ـ .

مواعظه :

روي أنّه قال لبعض ولده : إذا شئتَ أن تكون أديباً فخذ من كل شيء أحسنه ، وإن شئت أن تكون عالماً فاقتصر على فنٍّ من الفنون .

وفاته :

توفّي ( رضوان الله عليه ) في اليوم الأوّل من محرّم 81 هـ ، أيّام خلافة عبد الملك بن مروان ، وكان عمره ( رضوان الله عليه ) خمساً وستين عاماً .

واختلف المؤرّخون في محل دفنه ، فمنهم من قال : دُفن بين مكّة والمدينة ، ومنهم من قال : دُفن في الطائف ، وهناك آخرون قالوا : دُفن في مقبرة البقيع ، بالمدينة المنوّرة .

مسلم بن عقيل بن أبي طالب ( عليه السلام )

ولادته ونسبه :

ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب في المدينة المنورة سنة ( 22 هـ ) على أرجح الأقوال ، أمه أم ولد ( جارية ) اشتراها عقيل من الشام ، أما زوجة مسلم فهي رقية بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .

سيرته وفضائله :

كان مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) من أجِلَّة بني هاشم ، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً ، وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) يلقبه بثـقتي ، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة .

ولشجاعته إختاره عمُّهُ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب ( صفين ) ، ووضعه على ميمنة العسكر .

وفي أمالي الصدوق :

قال علي ( عليه السلام ) لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

( يا رسول الله إنك لتحب عقيلاً ؟ قال : أي والله إني لأحبه حُبَّين ، حباً له وحباً لحب أبي طالب له ، وإن ولده مقتول – ويقصد بذلك مسلم – في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون ) .

ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى جرت دموعه على صدره ، ثم قال : (إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي) .

خروجه ( رضوان الله عليه ) إلى الكوفة :

ارتأى الإمام الحسين ( عليه السلام ) أن يُرسل مندوبا عنه إلى الكوفة يهيئ له الأجواء ، وينقل له واقع الأحداث ، ليستطيع أن يقرر الموقف المناسب ، ولابد لهذا السفير من صفات تؤهله لهذه السفارة ، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، لما كان يتصف به من الحكمة والشجاعة والإخلاص .

انطلق مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) من ( مكة ) متوجهاً إلى ( العراق ) في الخامس عشر من شهر رمضان سنة (60هـ ) ، ويصحبه دليلان يدلانه الطريق كان الوقت صيفاً ورمال الصحراء ترمي بشررها وظمئها الركب الزاحف نحو الكوفة .

مرت بالركب أهوال ومخاطر ومتاهات كان أشدها على مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) هو أن الدليلين اللذين كانا معه ضلا طريقهما ، فنفذ الماء وماتا من العطش .

تعذر على مسلم ( عليه السلام ) حمل الدليلين فتركهما وسار حتى اكتشف الطريق ، ولاحت له منابع الماء فحط رحاله وهو منهك من التعب .

ثم واصل السير نحو الكوفة حتى دخلها في الخامس من شهر شوال من نفس السنة ، فنزل دار ( المختار بن أبي عبيدة الثقفي ) ، واتخذها مقراً لعمله السياسي في الكوفة .

ومنذ وصول مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) إلى الكوفة ، أخذ يعبئ أهلها ضد حكم يزيد ويجمع الأنصار ، ويأخذ البيعة للإمام الحسين ( عليه السلام) ، حتى تكامل لديه عدد ضخم من الجند والأعوان ، فبلغ عدد مَن بايعه واستعد لنصرته ثمانية عشر الفاً ، كما ورد في كتاب ( مروج الذهب).

لم تكن مثل هذه الأحداث لتخفى على يزيد وأعوانه ، إذ كتب عملاء الحكم الأموي رسائل كثيرة إلى السلطة المركزية ، نقتطف لكم ما جاء في أحد تلك الرسائل :

( أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب ، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ، ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يَتَضَعَّف ) .

وتسلم يزيد تلك الرسالة ، وراح يناقش الأمر ، ويبحث عن أكثر الناس قسوة وقدرة على التوغل في الإرهاب والجريمة ، وأخيراً وقع الاختيار على عبيد الله بن زياد ، ومنذ وصوله إلى قصر الإمارة ، أخذ يتهدد ويتوعد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد .

وننقل هنا هذه الجملة من أقواله :

( سوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي ) .

وهكذا بدأ الانعطاف ، وبدأت مسيرة الجماهير الصاخبة تتخذ مجرى آخر ، إذ لاحت بوادر النكوص والإحباط تظهر على جماهير الكوفة وبعض رجالاتها .

وراحت سلطة عبيد الله بن زياد تقوّي مركزها ، وتمسك بالعصا الغليظة ، وبوسائل القوة والسيطرة المألوفة لديها ، من المال والرشوة والإرهاب وتسخير الجواسيس لجمع المعلومات وبث الأراجيف .

أما موقع مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، فبدأ يضعف ويهتز ، واضطر إلى تغيير أسلوب عمله وموقعه .

فانتقل من دار المختار بن عبيدة إلى دار هاني بن عروة متخفياً بعيداً عن أعين السلطات ، إلى أن كشفته عناصر الاستخبارات ، وأخبرت عبيد الله بن زياد بمكانه ، فاستدعى ابن زياد هاني بن عروة – المدافع عن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) – بشكل سري وغير مثير ، بحجة أن الوالي بعث إليه ليزوره حتى تزول الجفوة بينهما .

وما أن دخل هاني القصر حتى وجد نفسه أمام محكمة ، والتهم موجهة إليه والجواسيس شاهدة عليه في أنه يوالي الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

حاول هاني الإنكار إلا أنه فوجئ بالهجوم عليه من قبل ابن زياد بقضيب كان بيده وراح يهشم به وجهه ، وكان هاني يدافع عن نفسه بقوة فلم يستطع ، وأخيراً أصدر ابن زياد أوامره بحبس هاني في إحدى غرف القصر .

شهادته ( رضوان الله عليه ) :

تسربت أخبار سجن هاني إلى أوساط الناس ، فتطور الصراع ، والأوضاع في الكوفة أخذت تنذر بانفجار خطير ، وأخذ أزلام ابن زياد وجواسيسه ببث الإشاعات في كل أنحاء الكوفة ، وأخذوا يُخَوِّفُون الناس بأن هناك جيش جرار قادم من الشام .

كما بدأوا يُشيعون بين أوساط الناس روح التخاذل ، والدعوة إلى حفظ الأمن والاستقرار لغرض كسب الوقت ، وتفتيت قوى الثوار .

استمرت الأوضاع هكذا في الكوفة ، والناس تنصرف شيئاً فشيئاً عن مسلم بن عقيل (عليه السلام) حتى لم يبق مع مسلم إلا عشرة رجال ، صلى بهم جماعة فلما انتهى التفت إلى خلفه فلم يجد أحداً منهم .

وبعد مواجهة هذا المنظر المروع راح يسير في شوارع الكوفة حتى يهتدي إلى حل أو طريق للخروج من الكوفة قبل إلقاء القبض عليه من قبل سلطات ابن زياد كي يُبلغ الإمام الحسين ( عليه السلام ) بانقلاب الأوضاع كي لا يقع في حبائل الغدر والخيانة .

ثم أصدر ابن زياد أوامره بتحرّي بيوت الكوفة بيتاً بيتاً وتفتيشها ، بحثاً عن مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، الذي كان قد اختبأ في بيت إمرأة مجاهدة ومحبة لآل البيت ( عليهم السلام ) اسمها ( طوعة ) .

فلما علم ابن زياد بمكانه ، أرسل له جيشاً إلى تلك الدار ، فقاتلهم مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) أشد قتال ، إلا أن الأقدار شاءت فوقع بأيدي قوات بن زياد .

ثم أرسلوه إلى القصر ، فدارت بينه وبين ابن زياد مشادة كلامية غليظة ، حتى انتهت بقول ابن زياد لمسلم ( عليه السلام ) :

إنك مقتول ، ثم أمر ابن زياد جلاوزته أن يصعدوا به أعلى القصر ، ويضربوا عنقه ويلقوا بجسده من أعلى القصر .

ثم انهال على مسلم ( عليه السلام ) سيف الغدر ، وحال بين رأسه وجسده ، ليلتحق بالشهداء والصديقين والنبيين الصالحين .

ثم جاء الجلادون بهاني بن عروة ( رضوان الله عليه ) ، واقتيد مكتوف اليدين إلى سوق الغنم في مدينة الكوفة فقتل هناك واقتطع رأسه .

وقام ابن زياد بإرسال رأسيهما الشريفين إلى يزيد في ( 9 ذي الحجة ) عام (60 هـ) .

وأما الجسدان الشريفان فقد شَدَّهُما الجلادون بالحبال وجُرّا في أزقة الكوفة وأسواقها .

وهكذا انتهت المقاومة وخمدت الثورة في الكوفة لتبدأ ثورة جديدة ، ولتتحول هذه الدماء الثائرة إلى بركان غضب وثورة ، يصمت – البركان – برهة من الزمن ، ثم ينفجر بوجه الطغاة وأعداء الله .

وبالفعل حدث ذلك بعد مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيث تحول دمه ودماء أهل بيته إلى شعار سياسي وقوة محركة ضد الحكم الأموي .

فقامت ثورة التوابين الذين رفعوا شعار التوبة والتكفير عن تخلفهم من نصرة الحسين

( عليه السلام ) .

وكذلك قامت ثورة المختار بن عبيدة معلنة شعار ( يالثارات الحسين ) ، وظلت هذه الحركات تـقوّض كيان الحكم الأموي ، حتى زال في عام ( 132هـ ) .

نرجس ( رضوان الله عليها ) أم الإمام المهدي المنتظر ( عليه السلام )

إسمها ونسبها :

نرجس ابنة يشوعاً بن قيصر ، إمبراطور الروم ، وتنتمي من جهة الأم إلى شمعون ، وصي السيد المسيح ( عليه السلام ) .

ولادتها :

وُلدت في عاصمة الأمبراطورية الرومية ، وذلك قبل عام ( 240 هـ ) .

أخبارها :

هاجرت متنكرة مع عدد من وصائفها من مسقط رأسها ، وتعرضت للأسر حتى وفدت إلى دار الإمام الهادي ( عليه السلام ) في سامراء في العراق.

تَكَفَّلت بتربيتها السيدة حكيمة ( رضوان الله عليها ) ابنة الإمام الجواد ( عليه السلام ) .

ثم تزوجت من الإمام العسكري ( عليه السلام ) وهي في مقتبل العمر وربيع الشباب .

ولدت من الإمام العسكري ( عليه السلام ) الإمام المهدي المنتظر ( عجَّلَ الله تعالى فرجه ) في ظروف شديدة السرية .

وقد أُلقِيَ القبض عليها ، فوُضِعَت تحت الرقابة الصارمة لفترات طويلة خوفاً من أن تلد الإمام المنتظر ( عليه السلام ) .

وقد ولدته ( عليه السلام ) في سَحَرِ ( 15 ) شعبان ، وذلك عام ( 255 هـ ) .

أسماؤها :

تنوعت أسماؤها وتعدَّدت نظراً للظرف السياسي والأمني الدقيق الذي كانت تعيشه آنذاك ، فكان من أسمائها : نرجس ، مريم ، حكيمة ، صقيل ، سبيكة ، سوسن ، حديثة ، ريحانة ، خمط ، لكن اسمها الحقيقي هو : مليكة .

صفاتها :

تَميَّزت نرجس بصفات متعددة ، منها : الشجاعة ، والحكمة ، والصمود ، والكتمان ، والمثالية .

وفاتها :

توفيت نرجس ( رضوان الله عليها ) بعد وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، ولم يُحدِّد لنا التاريخ الزمن الدقيق لوفاتها ( رضوان الله عليها ) .

مع العلم أن الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) قد توفي مقتولاً بالسُّم في سنة ( 260 هـ ) .

يحيى بن زيد بن الإمام زين العابدين ( عليه السلام )

ولادته :

وُلد سنة مائة وسبع للهجرة .

صفاته وسيرته :

كان حسنَ الوجه ، أبيض البشرة ، قطط الشعر ، قوي النفس ، شجاعاً مقداماً ، لا تُرهبه الكثرة ولا تُثنيه الوحدة .

ومن كلامه في بعض مواقفه :

( عبادَ الله ، إن الأجل يحضره الموت ، والموت طالب حثيث لا يَفوتُه الهارب ، ولا يُعجزه المقيم ، فاقدموا – رحمكم الله – إلى عدوكم ، والحقوا بسلفكم ، أقدموا إلى الجنة فإنه لا شَرفَ أشرف من الشهادة ، فإن شرف الموت قَتْلٌ في سبيل الله ) .

ولا يرتاب في موالاته للأئمة الإثني عشر ( عليهم السلام ) كل من يقرأ قوله المروي في سَنَد الصحيفة السجادية الكاملة ، حين قال له المتوكل بن هارون البلخي :

( أهُم أعلمُ – يعني الأئمة – أم أنتم ؟ فأطرق – يحيى – إلى الأرض ملياً وقال : كلٌّ له عِلم ، غير أنهم يعلمون كل ما نعلم ، ولا نعلم كل ما يعلمون ) .

وقوله فيه : ( واللهِ يا متوكل ! لولا ما ذكرتَ من قول ابن عمي – جعفر – أني أُقتل وأُصلب لما دفعتها – الصحيفة – إليك ، ولكنتُ بها ضنيناً ، ولكني أعلم أن قوله حق أخَذَه عن آبائه وسيَصح ) .

وقوله للمتوكل في حق الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( نَعَم ، هو أفقهُ بني هاشم ) .

وهذه المصارحة تدلنا على اعترافه بإمامة الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، وحُسن عقيدته وتبصره بالأمر .

ويؤيده بكاءُ الإمام الصادق ( عليه السلام ) عليه وشدة وَجْده وترحمه عليه ، ولو لم يكن بالمنزلة العالية وكان عاصياً له في الخروج لما بكى عليه وترحم له .

أسباب الخروج إلى خراسان :

بعد شهادة أبيه زيد ( عليه السلام ) ضاقت عليه الكوفة برُحبها لِما شاهده من غدر اُولئك العُتاة وتقاعدهم عن نُصرة أبيه ، وخاف أن يُؤخَذ غِيلة ويؤتى به إلى الوالي .

وعندها عزم على التوجه إلى خراسان لأن فيها شيعته وشيعة أبيه وأجداده ، بعد أن شار عليه بعض مَن أصدقهم العهد والميثاق من ( بني أسد ) فأشار عليه بذلك .

وسار يحيى إلى ( المدائن ) ، وهي يومئذ طريق الناس إلى ( خراسان ) ، ثم سار منها إلى ( الري ) ، ومنها أتى ( سرخس ) ، ثم خرج منها ونزل في ( بلخ ) ، حتى هلك هشام بن عبد الملك ، وولي الوليد بن يزيد بن عبد الملك .

شهادته :

سَرَّحَ إليه نصر بن سيار بن سلم بن أحوز في ثمانية آلاف فارس من أهل الشام وغيرهم ، فالتحقوا به في قرية تدعى ( أرغوى ) فقاتلوه ثلاثة أيام بلياليها .

ثم اشتد القتال فقُتل جميع مَن كان مع يحيى وأُصيب يحيى بِنَشَّابَة في جبهته وقيل في (صدغَيه) ، فمات من وقته ( رضوان الله عليه ) ، ولُعن قاتله وخاذله .

وكانت شهادته وقت العصر يوم الجمعة سنة ( 125 هـ ) .

وبُعث برأسه إلى الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، فبعثه إلى المدينة وجيء إلى أمه ريطة بنت أبي هاشم بن محمد بن الحنفية ، فقالت حينما نظرت إليه :

( شرّدتموه عني طويلاً ، وأهديتموه إلي قتيلاً ، صلوات الله عليه وعلى آبائه بُكرةً وأصيلاً ) .

ثم صُلب على باب مدينة ( الجوزجان ) ، وبقي مصلوباً طرياً إلى أن ظهر أبو مسلم صاحب الدعوة لبني العباس ، فإنه أنزل جسده وصلى عليه ودفنه هناك .

وأظهر أهل خراسان النياحة على يحيى سبعة أيام حيث أمنوا على أنفسهم سلطان بني أُمية ، وفي هذه السنة لم يولد مولود بخراسان إلا سُمِّيَ بـ (يحيى أو زيد ) .

أرسل للإدارة

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *